ولد الإمام الشافعي في مقابلة شاملة مع “الأخبار إنفو”
الأخبار (نواكشوط) ـ المصطفى ولد الإمام الشافعي، أحد عناوين المعارضة الخارجية للأنظمة الموريتانية المتعاقبة، وأحد أنشط الدبلوماسيين في منطقة غرب إفريقيا وأوسعهم علاقات، يصف نفسه بأنه “معارض مع كل المعارضين لكل ما يمكن أن يمس مصلحة البلاد، أو يؤثر على مستقبلها”.
دخل اسمه – بقوة – مجال التداول الإعلامي والسياسي عندما برز كأحد أبرز الداعمين لتنظيم فرسان التغيير المناوئ لنظام الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع، ونسج علاقات لقادة التنظيم في الغرب الإفريقي وفرت لهم الإيواء والدعم، وأمنت سبل التنسيق في بين أجنحة التنظيم المدني العسكري.
ولد المصطفى ولد الإمام الشافعي في العام الذي استقلت في موريتانيا، وكان من أوائل المواليد في عاصمته الفتية نواكشوط، والتي وضع حجرها الأساس ثلاث سنوات قبل ذلك.
نشاط والده وتنقله في سنواته الأولى بين عدة دول إفريقية، أتاح له معرفة واسعة بشعوب المنطقة، وعلاقات ثقة تنفذ حدود هذه البلدان.
في العام 1982 زار بوركينا فاسو في إطار عمله في شركة طوابع بريدية إفريقية، وسرعان ما ربطته علاقة مع الثائر البوركينابي توماس سنكارا، وكان وزيرا حينها، وهي علاقة سرعان ما تطورت إلى صداقة، دفعت الموريتاني “المهاجر” للمشاركة الفاعلة في الثورة التي قادها سنكارا.
وبعد مقتل سنكارا، غادر ولد الإمام بوركينا فاسو، حيث زار عدة دول إفريقية، وربطته علاقات بقادة، وشارك في أحداث سياسية فارقة في تاريخها.
وفي العام 1996 ربطته علاقة مع الرئيس البوركيني ابليس كومباوري، وربطته علاقات خاصة معه، عين بعدها مستشارا خاصا له، وهي العلاقة التي استمرت حتى كان آخر من يغادر معه بوركينا بعد الإطاحة به.
لم تؤثر علاقات ولد الإمام الشافعي مع القادة الأفارقة في متابعته الحثيثة لأوضاع بلده، فهو العارف بتطورات الأحداث فيه، المطلع على كواليسها، المتابع لتطوراتها.
يحدثك عن تفاصيل المشهد السياسي الموريتاني ودقائقه، وعن أبرز الفاعلين فيه خلفيات ومسارا، وعن المؤثرات الرئيسية في الفعل السياسي في البلاد، ويتتبع المخاطر التي يرى أنها محدقة به بتسلسل وتدقيق.
تربطه علاقات واسعة مع الطيف السياسي الموريتاني، ومع الطيف المعارض بشكل خاص، وتتجاوز علاقته الفاعلين السياسيين إلى النشطاء الحقوقيين، وفاعلي المجتمع المدني.
“الأخبار إنفو” التقت ولد الإمام الشافعي خارج البلاد – فهو ممنوع من دخول البلاد – وكان له معه هذا الحوار الشامل، وهو أول حوار له منذ العام 2013، وفيه يتحدث ولد الشافعي – بصراحة – عن الرئيس ولد عبد العزيز ونظامه، وعن محاولة التواصل بينهما قبل أعوام، وعن المعارضة وعلاقاته فيها، وعن رؤيته لواقع البلد، وتحدياته، وعن مستقبله وأبرز المخاطر التي تتهدده.
فإلى نص الحوار المشترك بين صحيفتي “الأخبار إنفو” و “بلادي”:
الأخبار إنفو: منذ اللقاء الذي أجريتم فبراير 2013 مع صحيفتي السراج وبلادي، لم تتحدثوا للرأي العام عن وضعية البلاد. لماذا هذا الصمت الطويل؟ ولماذا قبلتم الحديث الآن؟
ولد الإمام الشافعي: هناك أوقات يكون الصمت أفضل وسيلة للتعبير فيها عن ما نريد، ويكون استغلال الوقت لضبط المعلومات، وجمعها، لقد أتاح لي الصمت، والتحفظ المؤقت خيار العودة. وقد أخذت الوقت للمراقبة، والاستماع، والتقييم، وأيضا لمحاكمة الوضع في البلاد بطريقة جلية.
إن موريتانيا ـ باعتراف الجميع، وبتشخيص نهائي ـ تمر بمرحلة تعتبر الأخطر في تاريخها، وهي مختطفة من طرف شخص يدعي الحق في نهب ثرواتها، ويسعى لأن يجعل الشعب في خدمته.
لقد جعل من “التلصص” نمطا لتسيير البلاد، وقادنا بأساليبه الفوضوية، وأخطائه ومغامراته، وتصريحاته غير المسؤولة، والعنصرية، إلى الوقوع في كارثة. وعملت تصرفاته على تقسيمنا، وجعلنا أمام خطر تقويض الوحدة الوطنية وسلامة البلاد، لكن حكم التاريخ لا يرحم من يدعون تجاهل ما يقومون به، رغم أدلته الواضحة.
إنني أرفض أن أتغاضى من خلال صمتي عن انحرافات النظام، وهوسه بإشعال الحرائق، وأخرج من صمتي الممتد لثلاث سنوات لأندد وبقوة كعادتي، بقيادة قاطرة البلد، وأدعو مواطني للتعبئة لمواجهة الأعمال الخطرة والانتحارية، ولإنقاذ البلد باختصار من هذا الخطر.
الأخبار إنفو: بعض مؤيدي النظام يعتقدون بأنك لست موريتانيا؟
ولد الإمام الشافعي: أدعو هؤلاء إلى تصفح موسوعة المؤرخ المختار ولد حامدن بخصوص أصولي، فهو يذكر أبي وخالي، وعلاوة على ذلك، فإن إخوتي وأخواتي لديهم أوراق ثبوتية موريتانية، فكيف يمكن لأحد أن يشكك في هذا الحق الطبيعي، والقليل مقارنة مع الآخرين.
ثم إن المواطنة تقاس بمستوى حب الوطن، وأنا رغم أنني أعيش منذ بعض الوقت في المنفى، إلا أنني أتنفس موريتانيا، التي لا تغادر مخيلتي، ومنشغل بمستقبلها.
وفي الأخير ينبغي معرفة أن الجنسية ليست شيئا يمنح لمواطن أصوله لا شك فيها.
الأخبار إنفو: يقال إن مصلحة الحالة المدنية في السفارة الموريتانية بساحل العاج رفضت إحصائكم.. ماذا عن ذلك؟
ولد الإمام الشافعي: لست للأسف الموريتاني الوحيد الذي يحاول هذا الجنرال الانقلابي إنكار حقه الأساسي، فهناك آلاف الإخوة والأخوات الذين لا يحملون ألقابا، ولا مواصفات عقيدته العنصرية (دياغانا، سار، ديوب…) راحوا ضحية لذلك.
الإحصاء طبقا لما يقام به اليوم هو أداة للانقسام والإقصاء، بل وسيلة ضغط ضد المعارضين، القوي منهم والضعيف، لكنه في المقام الأول له بعد تجاري.
وكما ذكرت آنفا، فإن جميع أفراد أسرتي لهم أوراق ثبويتة، وأنا أيضا تم إحصائي في التعداد السكاني الماضي، وأحمل جميع الوثائق المطلوبة.
ومن أجل الحصول على حق الإحصاء، طلبت موعدا مع مصلحة الحالة المدنية بالسفارة في آبيدجان، وعلى الرغم من اكتمال ملفي، فقد أبدى المسؤول اعتذاره، وقال إنه تلقى تعليمات صارمة بحظر إحصاء بعض الموريتانيين وأنني منهم. وحسب مصدر مقرب من السفارة، فإن محمد ولد بوعماتو أيضا من ضمن القائمة.
ومن الواضح أن ولد عبد العزيز بهذا التصرف يعاقب آلاف الأطفال في البلاد، ثم إنه وفي جميع الحالات سواء كنت أنا، أو جاكانا، أو امبيريك، أو وان، فإن جذورنا راسخة بقوة في هذا البلد.
إن النبتة الضارة حينما تستجلب للغابة، يمكن أن تدمر النباتات الهشة، لكن لا يمكنها أبدا تدمير شجرة “أبو حباب” “التيدوم”، ونحن حينما نجتث النبتة الضارة من بلادنا، فإننا سنحصل على حقوقنا.
الأخبار إنفو: ما هو تصوركم عن الوضعية العامة للبلاد؟ هل تصفونها بأنها مستقرة، أم مقلقة، أم ميؤوس منها؟
ولد الإمام الشافعي: تشهد البلاد تهديدات خطرة للغاية، لم تشهدها قط منذ الاستقلال، كما أن التوقعات لم تكن قاتمة، ويواجه الموريتانيون انتشارا واسعا للفقر، فالاقتصاد لم يخلق المزيد من الثراء، مما ولد ضغطا متزايدا على أملاك الدولة.
إن الدولة اليوم تختزل في طبقة جديدة، والرئيس الحالي ينمي الموارد والامتيازات لشخصه، ولا أحد يعد في مأمن من الفقر، حتى أثرياء الأمس، لأنهم اليوم في منافسة مع المقاول الأول في موريتانيا محمد ولد عبد العزيز، القائد العسكري، التاجر، السياسي، المحتال، مكشوف الأعمال، كما هو الحال في الحادثة المشهورة “غانا غيت”، التي قد نعود إليها إن أردتم ذلك.
وهنا للأسف، نتحدث عن اللامبالاة والتجاهل التام، من طرف نظام يتسم بجنون العظمة، والتصامم، والقطيعة التامة مع الواقع، منعزل في صومعته، يعيش أحلامه وأوهامه، غير مكترث بالشعب ومآسيه.
الأخبار إنفو: عدم رضاكم شمل مجالات مختلفة، لو قدمتم أبرز مجالات النقد لديكم في أيها تصنفون الإفلاس الذي تصرون على أن تنسبوه للحكومة؟
ولد الإمام الشافعي: هناك الكثير مما يقال، وأنا أحجمت طويلا عن الحديث (يضحك)، لنكون منهجيين، ولنأخذ أقصر الطرق.
ألقوا نظرة خاطفة على مكاتب الحكومة في العاصمة، لتكون لديكم فكرة حول انخفاض مستوى الكفاءة لدى رئيس الدولة، كما أن الدوائر الحكومية ليست سوى دكاكين لا بضاعة معروضة فيها.
وباستثناء المستوى الأعلى، حيث يتم توقيع المصروفات، فإن باقي الجهاز الحكومي ينشغل في ترتيبات صغيرة، أكثر أو أقل ربحا، في حين يتدهور الوضع، ويتم التقليل من قيمة الرمز.
إن الإدارة الموريتانية تثبت في كل يوم تفاهتها، وقد اجتث ولد عبد العزيز كل منافعها الاجتماعية ، وأفرغها من جوهر صنع القرار، وعمل على مركزة ذلك بيده، لينضاف إلى دور تصميم السياسات العامة، وتنفيذ المبادئ التوجيهية ومتابعتها، والمحاسبة أيضا.
فهو يعين صغار الموظفين، ويدخل في تفاصيل المشتريات والإرادات، ويسعى للاستفادة من أدنى فرص الربح، من أي صفقة للمستوردات، وكان لديه في هذا الصدد مرشحون لشركة خاصة بـ”الشاشات”، إضافة إلى لجنة وطنية للصفقات.
إن هذا الفرد ـ الذي يبدو وفق أساسيات العلوم السياسية ـ أنه يركز على قوة إمبراطورية، هدفها جعل السلم في خدمة استمراره، ويغمض عينيه بانتباه على المظالم الاجتماعية الموروثة، والجرائم، والتمييز، واستخدام التعذيب، وترك جهاز الدولة يتدهور مرارا تحت تأثير خاص.
الأخبار إنفو: هل تشكل حصيلة أداء الرئيس مثالا دقيقا بالنسبة لكم على أخطاء التسيير العام التي تنتقدون؟
ولد الإمام الشافعي: لنعود الآن إلى الطريق نحو الذهب، إذ لا يمكنني ذكر الوضعية العامة للبلاد، دون التطرق لـ”لجنون العام” الذي أصاب الكثير من الساكنة.
لقد خلق النظام كل الظروف التي من شأنها دفع مواطنيه لملاحقة السراب، فالاقتصاد المعدني تمت المحافظة عليه، وروج لاقتصاد آخر وهمي من أجل سرقة موارد الشعب، ففي أعين ولد عبد العزيز ليس هناك ربح ضئيل.
لقد أعمي مواطنونا وضللوا من قبل من كان يفترض أن يحموهم ويحسنوا ظروف عيشهم، فلم يترددوا في بيع الممتلكات القليلة التي بحوزتهم (أثاث، سيارات، مجوهرات، مواشي… إلخ) في سبيل الحصول على أجهزة للكشف، وسيارات، ووقود، ومواد غذائية، وخيم.
وقد عاد آلاف الموريتانيين محبطين، وعوملوا سوء المعاملة، وتعرضوا للامبالاة من السلطة التي تلاعبت بهم وغشتهم، وتركتهم يواجهون مصيرهم.
لقد كان الذهب موجودا منذ آلاف السنين وفي جميع أنحاء العالم، وكانت الحضارة بتنوعها في بحث مستمر عن هذا المعدن النفيس، أحيانا عبر أساليب خطرة، أو عبر عملية متغيرة، لكن فرض الضرائب على المواطنين الباحثين عنه يعتبر سابقة من نوعها، على حد علمي.
إن هذه الرحلة واسعة النطاق لم يسبق لها مثيل في التاريخ، وكانت مفعمة بالاختلاس والاحتيال العام في موريتانيا، ولا يمكن الهروب منها، ولا تركها بعد رحيل ولد عبد العزيز، وينبغي النظر من الآن في تعويض الشعب وضحاياه الذين تعرضوا للابتزاز.
الأخبار إنفو: هل حاول النظام الذي تنتقدونه تقريبكم؟
ولد الإمام الشافعي: نعم في العام 2015، أخبرني صديق وأخ بأنه كان على اتصال بأشخاص مقربين من ولد عبد العزيز، وأخبروه أنه يرغب في النقاش معي، فقلت له بأن يسمع هو تلك الرسالة بشكل مباشر من الجنرال، فجاء بالفعل إلى نواكشوط، واستقبله الجنرال في اليوم الموالي، وقد أصريت قبل أن يغادر أن يوضح لمحاوره أنني لست من تقدم بالطلب.
وخلال الاجتماع قال إنه نقل رسالتي على نحوها، ما تسبب في ردة فعل ديماغوجية عسكرية، وبشكل متسرع: “نحن أيضا لم نطلب ذلك”.
وعلى الرغم من عدم الاهتمام المعلن، فقد تحادثا بشأن احتمال عقد اجتماع بيني وبين مبعوث مكلف من طرف ولد عبد العزيز.
لاحقا اتصل بي الصديق عندما كنت بإحدى دول الخليج، ليخبرني بأن مبعوث الرئيس مستعد للقائي في المغرب، فأجبته بأن إكراهاتي لا تسمح لي بذلك الآن، فلم يعقد الاجتماع، ولم تجر اتصالات، وأريد أن أضيف أنه كانت هناك محاولات سابقة وفشلت.
الأخبار إنفو: الرئيس ولد عبد العزيز عازم على تعديل الدستور، هل يبحث برأيكم عن مأمورية ثالثة كما تتهمه بذلك المعارضة؟
ولد الإمام الشافعي: نعم بالطبع، وسيكون بارعا جدا في تحمل مسؤولية التهديد بالرفض، فولد عبد العزيز يسعى إلى تعويد الموريتانيين على فكرة البقاء الأبدي في السلطة، بما في ذلك التصريحات الصادرة عن وزرائه، والتي أصدروها واحدا تلو الآخر، كما لو أنهم يدلون بشهاداتهم، ولم يتم التبرؤ منها، ـ ويمكنهم تكرار ذلك في أي وقت ـ وفي هذا السياق دعا لعقد الحوار الشهير.
وكان ينبغي أن يتم الحصول على موافقة مسبقة من المندوبين لاعتماد مقترح مشروع جمهورية جديدة، وهي حيلة بإمكانها أن تبطل بحكم الأمر الواقع آثار مواد الدستور السابق فيما يتعلق بيمين عدم تغيير المأموريات المحددة.
أما تغيير العلم والنشيد، ومحكمة العدل السامية، فإنها تأتي ضمن مسار التحول، إذ كان عليهم أن يصرفوا نظر الرأي العام عن محاولة فجة ومباشرة.
وكما تعلمون فإن الأحزاب الرئيسية في المعارضة والجمعيات الهامة الناشطة في المجتمع المدني قاطعت المسرحية، كما أن أولئك الذين ذهبوا إليها بحسن نية، تحدثوا بحزم ووطنية حينما اكتشفوا المشروع في وقت متأخر أثناء النقاشات حول الإصلاحات المؤسسية.
وقد اجتاحت الثورة صفوف أحزاب الأغلبية، حد منتخبي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الحزب الحاكم. وبالرغم من تحكمه في مرتكزات الحكم، فإن النظام أصبح اليوم عرضة لأن يثار عليه أكثر من أي وقت مضى، فموريتانيا لم تعد تريد ولد عبد العزيز، وبالكاد بإمكانها أن تتحمل حتى عام 2019، وهذا هو جوهر رسالة الحوار الأخيرة.
الأخبار إنفو: ألم تبدد مخاوفك تصريحات الرئيس بأنه لا يريد مأمورية ثالثة، وهي ستكون المرة الأولى في التاريخ التي يتنازل فيها رئيس موريتاني عن السلطة سلميا؟
ولد الإمام الشافعي: لا للأسف، ليس هناك ما يستبعد وقوع الخطر، فحول الرئيس يعمل فريق صغير على صياغة معادلة قانونية جديدة، تسمح له بالمراقبة الدائمة للقرار السياسي في موريتانيا، ومن بين خيارات السيناريوهات الاستفزاز والتآمر من أجل خلق الظروف الموضوعية للاضطراب، واستدعاء التدخل الديغولي للإنقاذ، باعتباره الرجل القوي، والملاذ الوحيد أمام خطر التفكك الاجتماعي.
وبالإضافة إلى حالة الدفاع النفسي، فإن الفريق يعمل كذلك على خلق خطة بديلة، إما عن طريق اختيار إرادي لـ”لدولفين” (وفي ذلك خطر كبير. يضحك.) أو عبر صيغة إجراء مراجعة بسيطة للدستور تمنح الدور لمن لم ينتخب عبر الاقتراع العام المباشر.
أما الآن فإن التخمين يحوم حول على إنشاء وحدة مخصصة لخلق تصور أو تفعيل آلية قانونية، أو بدلا من ذلك القيام بسطو مسلح.
صدقوني فعلى الرغم من بعدي عن البلاد، إلا أنني أتابع كل شيء تقريبا، وعلى علم بكل التفاصيل بما في ذلك الدوائر المقربة من الرئيس.
فالرجل لن يعدو أحد الاحتمالين، على الرغم من التطمينات التي قدم خلال ختام حواره المحبط، وإلى جانب ذلك اعتراف الرجل خلال مؤتمره الصحفي الأخير ببقائه في الساحة، وفرض دستور جديد.
وقبل أن أنهي الجواب على السؤال اسمحوا لي بأن أحيي الشيوخ 33 الذين رفضوا التصويت لصالح التعديلات الدستورية المقدمة لهم، فقد شرفوا البلاد، وحافظوا على المصالح الحيوية للشعب.
أود أن ألفت الانتباه العام إلى أنه خاطئ حسابه، من ظن أن 33 شخصا لا يمكنهم ترجيح مصالح الجمهورية، فالأمر لم يكن يتعلق بـ33 شخصا فحسب، وإنما بـ33 مقاطعة، ومئات المجموعات التقليدية، ومئات آلاف المواطنين، وهم مستعدون على جعلهم فوق الرؤوس.
الأخبار إنفو: على أي أساس تشككون في مصداقية الرئيس بعدما التزم أمام الملأ باحترام قواعد التفويض الطبيعية للسلطة؟
ولد الإمام الشافعي: قال لي صديق ليبي مقرب من القذافي إن الجنرال بعد انقلابه استقال، وشارك في الانتخابات، وقد أعرب عن تخوفه من عدم الفوز، خاصة أنه كان منافسا من طرف تحالف من مختلف مكونات الطبقة السياسية.
وقد عين القذافي الجنرال المذكور من أجل حصوله على دعم مالي كبير، ومن أجل أيضا طمأنته بخصوص الوضعية المقلقة بالنسبة له.
وحينما اجتاز المخاوف التي كانت تعترض سبيله بعث له بالجواب التالي:
“لم آخذ الحكم بالقوة لأتنازل عنه لأي كان، حتى صناديق الاقتراع، إن استقالتي لم تكن سوى خدعة لتجاوز ضغوط المجتمع الدولي، الذي يطلب منا إجراء انتخابات.
سأحكم السيطرة الكاملة على كل شيء، وأنا الوحيد على متن السفينة، بإمكانك طمأنتهم على أن الترتيبات اللازمة اتخذت من أجل ضمان فوزي في الشوط الأول”.
وأنا أتساءل هنا ما المناورة الجديدة، وهل ستخدمنا مجددا؟ إن صاحبنا حكواتي، لا يؤمن بالديمقراطية، ومنذ قدومه لم يحترم قولا، ولم يف بالتزام، وقد عودنا على تصريحاته المتناقضة، حيث يؤكد دائما شيئا ما ويعترف بعكسه.
في مؤتمره الصحفي الأخير قال إنه لا يريد تغيير الدستور، وفي نفس الوقت يريد إجراء استفتاء شعبي لإلغاء مجلس الشيوخ، وإنشاء مجالس جهوية. ولكن بمجرد إلغاء مجلس الشيوخ، فإننا نتجه نحو اعتماد دستور جديد دون حرج.
وفيما يخص مسألة استمراره بعد نهاية ولايته، فقد بدد هو نفسه الشك من خلال خطاباته وسلوكه، إذ لم ينأ بنفسه خارج ما يردده أعضاء الحكومة والمعجبون به من أنه المحافظ على البلد في وجه التحديات، والضامن للأمن.
الأخبار إنفو: في مناسبات عدة ذكرتم أن الانقلاب عفا عليه الزمن، هل ما زلتم تحتفظون بهذا الرأي وآثاره العملية من وجهة نظركم؟
ولد الإمام الشافعي: الانقلاب قفزة إلى المجهول، وله عواقب غير محسوبة، والوطن لا يمكنه تحمل هذه المغامرة الخطرة، فالتخلف وانعدام الأمن الذي تغرق فيه العديد من البلدان الإفريقية هو نتاج للانقلابات المتكررة، التي تضع على رأس بلداننا أناسا غير أكفاء، ولا قادرين على القيادة.
إن رأيي بشأن الانقلابات لم يتغير، ويجب أن نطمح للتغيير عبر الوسائل الديمقراطية، ولا بد لي من الاعتراف هنا بأن بعض وضعيات السلطة اتسمت بالاستبداد والمحاباة مع ملازمة الظلم والفساد والغوغائية، وسد طريق الحياة السياسية، بما من شأنه أن يفسح الطريق أمام المخاطر التي قد تجر إلى انقلاب، بل إلى الانهيار، ومقاومتنا للانقلاب العسكري، يجب أن تكون هي نفسها لمواجهة الانقلاب الدستوري.
الأخبار إنفو: يرى البعض أن أصدقاؤك في المعارضة، مسؤولين – بدرجة ما – عن الوضع الحالي لأنهم منقسمون، ضعفاء، غير مقنعين، كيف ترون ذلك؟
ولد الإمام الشافعي: مهمة النظام الموريتاني الرئيسية هي التدمير الكامل للمعارضة، لدرجة إبعادها عن كل الواجبات والالتزامات، ويستخدم كل وسائل الدولة لإضعافها. وقد عملت مصالحه الأمنية بشكل دائم على تقويضها بهدف التقسيم وزعزعة الاستقرار.
وقد استخدموا ـ دون هواجس ـ أكثر الوسائل غير المشروعة وغير القانونية (التنصت على الهواتف، شراء الضمائر، التخويف، الترهيب، الابتزاز، وفي الآونة الأخيرة التعذيب..).
وقد طهرت الإدارة من كل من لهم أدنى تعاطف مع المعارضة، لدرجة إخلائها من كل أصحاب الكفاءة والتجربة، واليوم العديد من الكوادر الموريتانيين يبحثون عن العمل في مختلف القارات. فالفاعلون الاقتصاديون لا يمكن ادخارهم، فهم تحت المراقبة والضغط والتهديد، لإنهاء أي علاقة يشتبه فيها مع معارضة سلطة الدكتاتور، وسواء الأصدقاء منهم أو الإخوة فالجميع مطلوب نفيه، ويتم الضغط عليه بالعامل القبلي من أجل اجتثاثه من عمقه الاجتماعي.
وعلى الرغم من اتخاذ كل الوسائل من أجل التغلب على الخصوم، فإن الرجل غير قادر على الاعتراف بالفشل، حيث فقد السيطرة، وانخرط في حملة الانسحاب، والتشويه والافتراء، وهو خطاب لم يعهد من قبل الوصول إليه بهذا المستوى، كما أنه مؤشر على الفشل والضعف الواضحين.
لا أريد العودة إلى قائمة اتهاماته العامة، وتصريحاته المسيئة، والبغيضة، ولغته البذيئة ضد المعارضة، وضد مكونة وطنية هامة، ولكن أريد فقط التأكيد على أن كل ذلك يؤشر على عدم احترام وخبرة، وعدم أحقية من يقودنا.
وبالعودة إلى زملائي في المعارضة، كما وصفتموهم، ينبغي معرفة أنه على الرغم من كل المصاعب والعقبات التي يواجهون، فإنهم ما زالوا موجودين، ولا مفر منهم، فلم يتراجعوا قط عن معركة نضالهم، ولم يتنازلوا، وقد كانوا ثابتين دوما على التزاماتهم، ولم تهتز في أي وقت من الأوقات مواقفهم.
لا شيء في العالم إلا ويمكن التغلب عليه بقوة الرفض، وهو ما أتاح لغاندي، ومانديلا، وآخرين التغلب على جلاديهم.
لقد استاء ـ في الواقع ـ البعض من ضعف المعارضة اليوم في مواجهة المأساة التي تعيشها البلاد، وكان يتوقع من قادتها الكثير، ويطمح ـ أي البعض ـ إلى إجراءات قوية من شأنها أن تقلب موازين القوى، وتقطع الطريق أمام ولد عبد العزيز الراغب في البقاء في السلطة، والفارض نفسه على الاستمرار.
الأخبار إنفو: الرئيس ولد عبد العزيز أوصد باب الحوار في حواره التلفزيوني الأخير، ما رأيكم في ذلك؟
ولد الإمام الشافعي: يعتبر الحوار الوسيلة الأنجع لضمان مصلحة الجميع، والآلية الأنسب كذلك لتسوية المشاكل، فحتى الحروب تنتهي بالحوار.
أعتقد أن من المصلحة ذلك، وكنت قد أجريت نقاشات مع قادة في المعارضة حول هذا الموضوع، حيث ناقشت معهم بجدية، وشجعتهم على أهمية أن يكون هناك حوار، ولتبرير جدوائية هذا الخيار ذكرت أمثلة على مفاوضات جرت في إفريقيا، وكان لي شرف متابعتها.
وقد أدت تلك المفاوضات إلى إنشاء مؤسسات توافقية، حيث المؤسسات تعاني لا شك على مستوى المصداقية والفاعلية، وقد مكنت الهيئات المعلن عنها من تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة، أسهمت في تعزيز السلم والاستقرار، والديمقراطية. وبناء على هذه التجارب حثيت أصدقائي على المشاركة.
لكن الحوار يتطلب سلوكيات معينة، وإزالة العراقيل من أجل مشاركة مختلف الأطراف، ويفترض في الحوار الجاد، تجاوز المصالح الخاصة، كما يتطلب حسن النية، والإخلاص والصدق، واحترام الآخر.، وتجاوز ميزان القوى، والتصعيد، والمغالطات.
ثم إن الدعوة للحوار تستدعي التعلم من الآخر، والاستماع لما عنده لفهمه، إذ لا يمكن للإنسان أن يتفاوض مع نفسه.
أنتم معي في أن ولد عبد العزيز الذي تولى زمام مبادرة الدعوة إلى الحوار، لم يقدم أي آلية من أجل التوافق، والتي هي دليل على إرادة الطرفين في السعي إلى النقاش بثقة وهدوء. ويبدو أن لديه بشأن الحوار إستراتيجية للاستفادة من الوقت، ومنع المعارضة من التأكيد على حقوقها، وإلا فكيف يمكن فهم دعوته بتحمس للحوار، في حين أنه يواصل القيام بأعمال استفزازية، ويمارس التخويف والتضليل.
وقد قام هو بنفسه بأعمال التخريب، وألحق الضرر بالآخرين، قبل أن يحبط النقاشات الجادة، ودعوته للحوار لم تكن سوى وهم، لفرض جدول أعمال غير محدد، وهو في نهاية المطاف يبحث عن حيلة من شأنها إضفاء الشرعية، عبر إبقائه في السلطة، أو استمرار إحكام سيطرته على البلاد.
الأخبار إنفو: في مقابلة لك عام 2013 دعوت إلى رحيل ولد عبد العزيز، وقد تعزز نظامه بأن أصبح ليس فقط رئيسا للاتحاد الإفريقي، وإنما رئيسا للقمة العربية، ووسيطا في الأزمة الغامبية، وترأس القمة العربية الإفريقية، إلى غير ذلك من الإنجازات الدبلوماسية؟
ولد الإمام الشافعي: حينما لا تحظى بثقة الشعب، ولا مساندته، فأنت حتما مدان بـ”الرحيل”، وستبقى في ظروف مهينة وغير مناسبة.
إن الموريتانيين في معظمهم ـ بمن فيهم أقرب المعاونين ـ لا يحفظون لهذا الرجل سوى سوء السمعة، والاحتقار، والاشمئزاز. والفجوة تتسع بين الشعب الجائع، والرئيس “الملياردير” المصاب بجنون العظمة، في نسخة طبق الأصل من “بي بي دوك” في هايتي.
وبين الرئيس والشعب قطيعة نهائية، ومصير محتوم، وللأسف فأنا أخشى من أمثال هؤلاء الطغاة والمستبدين أن يكونوا بمثابة سرطان حقيقي، فلا يستمر سلطانهم، وتتفكك بلدانهم.
فمع الوقت يراكمون سوء الإدارة، ويستحوذون على السلطة، ويراكمون الثروات، في حين تنهار بلدانهم، وبعد سقوطهم يورثون دولا جراحها نازفة، ومفلسة، تواجه خطر الانقسام والصراعات.
وتعتبر الحروب في الصومال وليبيريا نتاجا لحكم كل من سياد بري، وصامويل دو، والأزمات بوسط إفريقيا وهايتي اليوم نتاج حكم بوكاسا، ودوفالييه.
الأمثلة على المستبدين الذين قادوا بلدانهم إلى الفشل الذريع، يتشابه فيها سلوكهم وإداراتهم لبلدانهم مع النظام الموريتاني الحالي، فولد عبد العزيز سيبقى لفترة أطول، لكنها ستكون أصعب وأكثر سلبية.
بالعودة إلى الشراكة الإستراتيجية مع الغربيين، فإن عددا من الحكام الأفارقة تمت الإطاحة بهم بطريقة مهينة ومذلة، دون حراسة ولا حماية من الغربيين، ودون مساعدة حتى.
تذكروا شرطي الشرق الأوسط، الخادم المخلص للغرب، والضامن لمصالحه في المنطقة، الشاه إيران الذي لم يجد دعم الولايات المتحدة الأمريكية له، ولا قمعها في إنقاذه، حيث مات في المنفى يعاني المرض، ومرارة التخلي عنه، وعدم الرغبة فيه.
الحسين حبري الذي يحاكم اليوم بتهم جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، كان في فترة حكمه حليفا مهما، وحصنا منيعا ضد العقيد الثوري الليبي القذافي، وجحافله الإسلامية.
كما أن موبوتو كان في الخط الأمامي خلال الحرب الباردة، في النقطة التي هاجم فيها فيلق مدينة كولوويزي لإنقاذ حكمه. كيف غادر؟
بالعودة إلى الأحداث الأخيرة سأذكر شخصين عربيين وإفريقيين لامعين، هما حسني مبارك، وزين العابدين بن علي، فقد كانا شريكين وحليفين أكثر مصداقية وفاعلية من ولد عبد العزيز لدى الغربيين والأفارقة، والعالم العربي، ولكن لم توجد قوة على الأرض تحول دون انهيار نظاميهما.
يمكنني سرد أمثلة أخرى عديدة، لكنني أفضل التركيز على هذين الاثنين، لأوضح بأن الحليف الاستراتيجي الحقيقي هو الشعب.
أما بخصوص رئاسة الاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية، فإنها لا تقي من سقوط محتمل، ولا تشكل أي عامل لإضفاء الشرعية. وقد وصل ولد عبد العزيز إلى رئاسة الاتحاد الإفريقي عن طريق الخطأ، ولن أطيل في الحديث عن تلك الظروف، ثم إن رئاسة الاتحاد الإفريقي ليست إنجازا في حد ذاتها، وللأسف هناك رؤساء مثيرون للجدل، وقليلو الكفاءة ترأسوا هذه المؤسسة:
موبوتو سيسي سيكو من جمهورية الزائير 1967 ـ 1968.
محمد سياد بري من الصومال 1974 ـ 1975.
عيدي أمين دادا من أوغندا 1975 ـ 1976.
جعفر النميري من السودان 1978 ـ 1979.
منغسو هيلا مريم من أثيوبيا 1984 ـ 1985.
معمر القدافي ترأس الاتحاد الإفريقي خلال الفترة 2009 ـ 2010 ولم يمنعه ذلك من سقوط نظامه عام 2011 في ظروف مروعة، على مرأى من العالم، وتلا سقوطه أن بلاده لا تزال تعيش ألما مريرا.
وفي أي ظروف غادر كل الرؤساء الذين ذكرت؟ وفي أي ظروف تركوا بلدانهم؟
ندعو ليل نهار لموريتانيا، فالشرعية والشرعنة لا تكون إلا عبر الشعب وحده.
الأخبار إنفو: ما هي مبررات – أو أسباب – وصفكم لنظام ولد عبد العزيز بالفاشل؟
ولد الإمام الشافعي: يثبت السبب الرئيسي الأول في فشل الحكومة الحالية عجز الرجل الذي يرأسها، كيف يمكن أن ترسو السفينة بأمان، وربانها لا يمتلك مؤهلات القيادة؟
لقد احتكر الجنرال الشهير السلطة، وعلى مر السنين اتضح أن لا رؤية لديه، وأن أخلاقه مشكوك فيها، وغير قادر على عكس السلوك المثالي الذي يتماشى مع طبيعة الدولة، كما أبان قدراته في إقناع المواطنين، حيث لم يستطع قط تقديم رؤية واضحة عن وضعية البلاد. والموريتانيون اليوم مجمعون على أهمية الاستماع والحوار، لكن الرجل قليل الإقناع، ولا يجمع، إضافة إلى التعجرف، والكذب، حد أنه يكذب على نفسه.
وحسب جاسك آتالي فإن “الرئيس يجب أن تكون لديه القدرة على عدم الكذب على نفسه، وأن يقرر، دون أن يفعل ذلك لمصلحته الشخصية”. ولا شك أن القرارات التي اتخذت في البلد منذ الانقلاب كانت حصرا تصب في صالح مصلحته، ومصلحة محيطه.
إن الرجل غير قادر على التمييز بين الأشياء، ولا يتوفر على الحد الأدنى من الأهلية لتسيير ما هو ممركز بيديه دون إشراك باقي القوى في البلاد، فهو ملك وبواب في نفس الوقت.
الأخبار إنفو: هناك أمر لا يمكن أن تنكره وهو نجاح ولد عبد العزيز في الجانب الأمني، والحرب ضد ما يوصف بالإرهاب والإرهابيين، على الرغم من الحديث عن وجود وثيقة أمريكية تتهم الحكومة الموريتانية بعقد اتفاق معهم؟
ولد الإمام الشافعي: لا يوجد اليوم جهاز أمني في العالم يمكن أن يتعرض لتهديد إرهابي، إلا ويفخر بالحكومة الموريتانية، التي تتظاهر ـ دون أي تواضع ـ بادعاء النجاح.
إن جميع مشاريع الهجمات التي أفشلت في موريتانيا، تم إفشالها بمساعدة ودعم من مصالح خارجية، حيث وقع الأوربيون ضحايا لأعمال إرهابية على الأراضي الموريتانية.
إن العمليات التي نفذت تعتبر نتاجا لتطرف الشباب الذين تخرجوا من تلك البلدان، وكان ملاذهم الجماعات الجهادية. عندما يقتنع المواطنون بهذا الفكر، وينتشرون في مناطق القتال، فإن البلد تحت تهديد الإرهاب.
ولا أحد يمكنه إنكار الانخراط الكبير للشباب في هذه الجماعات الجهادية، وحضوره الفاعل في العديد من المناطق الإرهابية الملتهبة في العالم، ولعبه أدوارا بارزة في بعض الأحيان.
فكيف يمكننا ادعاء الانتصار في حين أن العديد من القادة الإرهابيين ومرتكبي الهجمات في مالي المجاورة، وفي ليبيا وتونس، هم مواطنون موريتانيون.
إن لدينا رئيسا يستغل محاربة الإرهاب لأغراض تجارية، حيث يعبئ الشركاء بشأن حساسية التهديد، ويجعل منهم شركاء لتعزيز سلطته، المحتاجة للشرعية.
في 28 نوفمبر 2015 قال الرئيس في مؤتمر صحفي إن موريتانيا تعتبر البلد الوحيد الذي لا يوجد أي من مواطنيه في تنظيم الدولة الإسلامية. والمثل الشعبي يقول: “إذا كان المتحدث مغفلا، فينبغي أن يكون المستمع حكيما”.
فبعد الهجوم الذي نفذته القوات الليبية في مدينة صبراته، معقل تنظيم الدولة الإسلامية، اعتقل 3 شباب موريتانيين أعضاء في التنظيم، وقد تم تقييدهم وتم تداول صورهم على صفحات التواصل الاجتماعي. كما يوجد حضور كبير للشباب الموريتانيين في سرت واجدابيا، وإلى جانب ذلك فإن مواطننا حماده ولد أحمد خير يعتبر مؤسسا لحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وهو مفتي تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة.
أيضا في سوريا والعراق يلحظ حضور كبير لموريتانيين هناك، وفي بداية نشأة تنظيم القاعدة كان هناك موريتانيون يحيطون ببن لادن، واليوم هناك موريتانيون في تنظيم الدولة الإسلامية.
أما بخصوص الوثيقة الأمريكية التي تشير إلى أن النظام الموريتاني وقع هدنة للسلام، فلست قادرا على إثبات ذلك أو نفيه.
أخبرت من مصدر موثوق أنه حين ما اختطف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي دركيا موريتانيا في عدل بكرو، فإن عضوا بالتنظيم معتقلا في نواكشوط لعب دور الوسيط من أجل إطلاق سراحه، وقد قاد مفاوضات حيث اتصل بالتنظيم في مالي لينقل له رسالة من محمد ولد عبد العزيز تتضمن مقترح سلام.
وأقسم بالله هنا، أنني استقيت هذه المعلومات من مصدر موثوق، لكنني لم أعرف مضمونها، ولا تفاصيلها.
وقد قدم العرض إلى زعيم الجماعة يحيى أبو الهمام، لكن ليس لدي ما يؤكد نتائج العملية، لكن ألاحظ أن التنظيم له حضور بالقرب من الحدود الموريتانية، حيث يكثف نشاطاته، ويتحرك بحرية، دون الشعور بقلق، له نشاطات في جميع أنحاء تمبكتو، ويتحرك بأمان في ملاذات له بالقرب من الحدود الموريتانية، وتفيد مصادر متطابقة في الشمال المالي، بأنه يأخذ مؤنه من الغذاء والوقود من بلادنا.
وهنا أريد الحديث عن ثلاثة شكوك تراودني.
أولا: لماذا موريتانيا التي بعثت قواتها بالأمس لمحاربة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بمنطقة حاسي سيدي في عمق التراب المالي بغابة واغادو تسمح اليوم في ظل وجود تحالف دولي بوجود هذا التنظيم على حدودها؟
ثانيا: إذا لم تكن هناك صفقة، فلماذا هذه الجماعات التي لها القدرة على الوصول إلى أي نقطة في العالم، الذي تشكل له مصدر إزعاج، تتجاوز موريتانيا الهشة، التي لها حضور على حدودها؟
البرهان: أن إياد أغ غالي رئيس جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في خرجته الإعلامية الأخيرة أعلن عن قائمة من 9 دول اعتبارها أعداء، ليست من ضمنها موريتانيا. ولم تنج منها الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبلجيكا، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وأندنوسيا…
فرغم الموارد البشرية، والتجربة والخبرة غير القابلة للمنافسة، والوسائل التكنولوجية المتقدمة، فإن هذه الدول لم تستطع صد تنفيذ العمليات.
إن الهدنة المفترضة ـ إن تجرأنا على تسميتها ـ بين الطرفين تأتي في سياق تهديدات عالمية تجعل من الممكن والضروري إقامة توافق.
ثالثا: موريتانيا أوقفت شخصا أثناء احتلال شمال مالي، كان متحدثا باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة أنصار الدين، حيث تم تأمينه من قبل السلطات في فيلا بحي راق في مقاطعة تفرغ زينه، قبل أن يطلق سراحه، دون محاكمته. ألا تكون المعاملة الخاصة التي حظي بها، تقديرا واعتبارا لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي؟
اسمحوا لي بالحديث عن موضوع، رغم أنكم لم تسألوا عنه، يتعلق بالمخدرات، هل تدرون بأن مالي ليست سوى دولة عبور نحو بلدان أخرى، وبأن المخدرات تأتيها من موريتانيا؟
الأخبار إنفو: ما هو تقييمكم لمشكل العبودية، والطبقية والعنصرية في موريتانيا؟ وكيف تصفون علاقتكم مع بيرام ولد الداه ولد اعبيدي؟
ولد الإمام الشافعي: أعتقد بأنني ديمقراطي، ومن هذا المنطلق، أرفض التمييز والظلم الذي يستهدف بعض مكونات المجتمع، وأواصل الدعوة إلى مصالحة وطنية تقوم على أساس استرجاع الحقوق، والتعويض، والسماح.
فيما يخص العبودية، فمن الواضح أنها استمرت، على اعتبار أننا نصدر القوانين لمواجهتها. في الولايات المتحدة الأمريكية تم إلغاء هذه الآفة “الاسترقاق” منذ قرون، ولا تزال تتخذ الإجراءات فيما يتعلق بالتمييز الإيجابي لمحو آثارها، فماذا عن موريتانيا التي لم تلغ فيها إلا عام 1981؟
بالنسبة لبيرام أقدر نضاله وأصدقاءه من أجل الانعتاق، ولست الوحيد في ذلك عبر العالم، وأذكر هنا أن لي علاقات جيدة مع جميع الناشطين المناهضين للاسترقاق، وأدعم نضالهم العادل، وأعتقد أن جميع المواطنين الموريتانيين ـ كما أنا ـ حساسون تجاه هذه المسألة.
لا يمكنني إنهاء الإجابة على هذا السؤال دون الإشارة إلى السلوك المشين لولد عبد العزيز، الذي لا يضيع أي فرصة في إثارة المكونات ضد بعضها البعض، وهكذا فقد قال لبيرام إن الزعماء الدينيين ومسؤولي الأحزاب لم يدخروا جهدا لإقناعه بالترشح.
وحسب صديق سياسي زنجي موريتاني فإن ولد عبد العزيز أسر إليه بأن مشكل البلاد هم “البيضان” الذين يرفضون السماح بالبدء في إصلاحات لمعالجة الظلم. ونفس الدعاية تقدم في مجتمع “البيضان”، على أنهم الحصن الوحيد لمواجهة خطر السود.
الأخبار إنفو: ما هي علاقتكم برجل الأعمال محمد ولد بوعماتو وهل يوجد تنسيق سياسي بينكما؟
ولد الإمام الشافعي: كان لي شرف اللقاء للمرة الأولى بولد بوعماتو في مدينة مراكش خلال عطلة لي هناك أكتوبر 2014، وقد دعاني لغداء بمنزله مع أصدقاء مشتركين.
وخلال الأحداث التي شهدتها بوركينافاسو تأثرت بالاهتمام الذي منحني وعائلتي، حيث لم يتوقف استفساره عنا واطلاعه على سلامتنا.
وقد أحسست من خلال اتصالاته الدائمة والأخوية تعبيرا صادقا عن الحب الأخوي والتضامن الصادق، أعترف أنني لم أكن أعرف الرجل قبل أن أفاجأ بتضامنه معنا، وهو تضامن أثر في بقوة، وحافظنا على تبادل الاتصالات، وذلك من حقنا.
الأخبار إنفو: عندما توفي نجل الرئيس، كنتم من أوائل من قدموا له التعزية، وقد اعتبر البعض ذلك وسيلة للتقرب منه؟
ولد الإمام الشافعي: إن اعتقادي العميق في الله وإيماني به لا يجعلني أفرح بمحن أخ في الإسلام، ولا أتمنى لأي خصم أن يمسه سوء أو تلحق به إهانة.
بالنسبة لشخص محمد ولد عبد العزيز لا أكن له كراهية، ولا أنصب له عداء، ولذا ففي ظرف الحزن والحداد، والألم العميق لديه كأب فقد ابنه في مقتبل العمر، أردت أن أواسيه وأتضامن معه في تلك اللحظات، وأعبر له ولعائلته عن تعازي القلبية الصادقة.
وبالنسبة لأولئك الذين قالوا إنني أردت الاقتراب منه، أقول لهم إن ذلك غير لائق، وإن تعليمي وثقافتي يمنعاني منه.
الأخبار إنفو: هل من كلمة أخيرة قبل نهاية المقابلة؟
ولد الإمام الشافعي: نعم، كلمة إلى كل مواطني، وكل منهم في هذا البلد، الذين قرروا مواجهة هذه الديكتاتورية، ودافعوا بشرف عن كرامة النساء والرجال في وطننا، أولئك الذين دافعوا بتضحياتهم عن المصلحة العليا للبلد الغالي، أود أن أقول لهم شكرا لكم نيابة عن الشعب الموريتاني، والشكر كذلك للفنانين الشباب، الذين بفنهم المتميز كتبوا وبشجاعة صفحة جديدة من المقاومة.
أود أن أختم باقتباس للرجل العظيم نيلسون مانديلا: “الشرف لأولئك الذين لا يبتعدون عن الحقيقة، حتى في الظلام واللحظات الصعبة، الذين يسعون دائما إلى عدم السماح للتثبيط بأن يتسلل إليهم عبر الشتم أو الإهانة، أو حتى عبر الهزيمة”.
المصدر االاخبار