تقرير للأخبار يبحث في خلفيات الأزمة بين ولد حدمين و ولد محم
لأخبار (نواكشوط) – شكل مساء اليوم الأول من العام 2018 مرحلة جديدة من تصاعد الصراع بين قيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ممثلة في رئيسه سيدي محمد ولد محم، والوزير الأول يحي ولد حدمين وحكومته، وتجلى هذا الصراع في دخول النواب حلبته من خلال مهاجمة الحكومة، واتهام بعض النواب لها بعدم الانسجام مع الحزب “المجسد الأول لبرنامج الرئيس ولد عبد العزيز، وذراعه السياسي الضاربة”، وذلك خلال حفل العشاء المقام على شرفهم.
الخطوة الجديدة جاءت بعد مسار طويل عرف تحالفا بين الرجلين أثمر إخراج الوزير الأول السابق مولاي ولد محمد الأغظف من حلبة الصراع، وإقالته من منصبه مايو الماضي، كما عرف “حراكا” “وانزياحا” للتحالفات و”اللوبيات” داخل الحزب الحاكم، وهو ما يطرح سؤال مآلات الصراع الحالي.
تزامن.. وتحالف.. وصراع
تزامن وصول يحي ولد حدمين لقمرة قيادة الحكومة أغسطس 2014 – بعيد الانتخابات الرئاسية – مع وصول ولد محم إلى قيادة الحزب الحاكم في اجتماع للمجلس الوطني تم تحويله إلى مؤتمر استثنائي من أجل انتخاب ولد محم رئيسا، وكان ذلك يوم 06 سبتمبر 2014 أي بعد حوالي 15 يوما من تعيين ولد حدمين وزيرا أول.
التشكيلة الجديدة للمكتب التنفيذي للحزب الحاكم ضمت الوزير الأول ولد حدمين في صفوفها، ومن خلال تحالفاته نجح في تنقية الحكومة التي تشكلت باقتراح ولد محمد الأغظف، قبل أن توكل مهمة قيادتها له في خطوة مفاجئة، وهو ما جعل بعض السياسيين يطلق عليها “حكومة ولد محمد الأغظف، بقيادة ولد حدمين”.
وأذكى بقاء ولد محمد الأغظف في “بؤرة” الفعل التنفيذي (من خلال توليه لمنصب الوزير الأمين العام للرئاسة) تنافسه مع ولد حدمين، حيث ظهرت الحكومة برأسين، وكان عدد من أعضائها يعقدون اجتماعات في الأمانة العامة للرئاسة، تحت رئاسة من “يدينون” له باقتراحهم في الحقيبة الوزارية التي يتولونها.
كما ظهر الفعل السياسي الرسمي برأسين كذلك من خلال تولي ولد محمد الأغظف لملف الحوار السياسي بشكل كامل، بدءا من الدعوات إلى تحديد الأجندة، وليس انتهاء برئاسة لجنة المتابعة، وهو ما أزعج رئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم الواصل لتوه لما يفترض أنها قاطرة الفعل السياسي في الأغلبية الداعمة للرئيس ولد عبد العزيز بعد مسيرة سياسية مشتركة مع الرئيس تقارب العقد مع الزمن.
“خصومة” الرجلين مع ولد محمد الأغظف رفعت من سقف تحالفهما، وزادت “شرارة” الصراع الذي أخذ أكثر من مظهر، خلال سنواته الأولى، وأدى لإجهاض عدة محاولات لإجراء حوار سياسي في البلاد، قبل أن ينجح الثنائي “حدمين + محم” في الإطاحة بولد محمد الأغظف من الأمانة العامة للرئاسة، يوم 29 مايو 2017.
ويرى معارضون أن “الثنائي” المتصارع الآن، كان وراء إفشال محاولة ولد محمد الأغظف جر منتدى المعارضة – أو أطراف فاعلة فيه – إلى المشاركة في الحوار السياسي المنظم 2016، وأدت استماتة ولد محمد الأغظف لإظهاره لدى “الرئيس” بمظهر “محامي الشيطان”، أو “المعارض الداخلي”، قبل أن يتم انتزاع ملف الحوار بشكل تدريجي قبل أن تتم الإطاحة به بشكل نهائي.
منعطف جولات ولد حدمين
كان عنوان “الإطاحة” بولد محمد الأغظف هو رفضه مرافقة ولد حدمين في جولة قادته إلى مقاطعات في العصابة والحوضين في النصف الأخير من شهر مايو، وتمت الجولة بعد تأجيلها ليتسنى لولد محمد الأغظف المشاركة غير أنه واصل رفض المشاركة فيه ليقال بشكل مفاجئ صبيحة يوم الاثنين 29 مايو 2017.
كما نجح ولد حدمين خلال السنوات الماضية في “إبعاد” كل المحسوبين على ولد محمد الأغظف من عضوية الحكومة، ومن المناصب البارزة في مختلف القطاعات الحكومية، وخصوصا في الوزارة الأولى، ليظهر خلال الأزمة الحالية وقد أمسك “بزمام” الحكومة، وتحكم في كامل قرارها ليصل الأمر درجة منع أعضائها من حضور اجتماعات قيادة الحزب الحاكم حتى من يتولون منهم أمانات تنفيذية في المكتب التنفيذي للحزب الحاكم.
وكما كانت “خرجة” ولد حدمين إلى الحوضين والعصابة عنوان نجاحه وحليفه ولد محم في إبعاد ولد محمد الأغظف من آخر مناصبه، فإن خرجة أخرى لولد حدمين إلى مكطع الحجار بولاية البراكنه في بداية يوليو 2017، كان عنوان بداية الخلاف الذي تحول إلى صراع بينها، حيث نظمت قيادة الحزب بالحاكم بالتزامن مع هذه الخرجة مهرجانا شعبيا في مدينة روصو عاصمة ولاية الترارزة.
ومنذ ذلك الحين واصل الخلاف بين الطرفين تصاعده، وزاد منه تولي الحكومة لحملة التعديلات الدستورية بشكل كامل، وتهميش قيادة الحزب خلالها، إضافة لمقاطعة ولد حدمين لاجتماعات المكتب التنفيذي للحزب الحاكم (12 أكتوبر 2017)، ومقاطعة أعضاء الحكومة لعدد من الأنشطة التي أعلن الحزب عن تنظيمها، ومن بينها ندوة عن التعليم العالي الإنجازات والآفاق (3 نوفمبر 2017)، وأخرى عن حصيلة عمل الحكومة وآفاق الإصلاحات (27 ديسمبر 2017).
كما قاطع ولد حدمين وأعضاء حكومته حفل العشاء الذي أقامه ولد محم على شرف نواب الحزب الحاكم، وكان من بين المقاطعين وزير الثقافة والصناعة التقليدية محمد الأمين ولد الشيخ، وهو عضو المكتب التنفيذي المكلف بالعلاقة مع البرلمانيين.
النواب بعد الشيوخ
ويأتي تصعيد عدد من النواب ضد الحكومة بعيد انقشاع أزمة الحكومة مع أعضاء مجلس الشيوخ بحل الأخير خلال الاستفتاء المنظم شهر أغسطس الماضي، حيث بدأ الشيوخ تصعيدهم مايو 2016 ضد الحكومة، وطالبوا عددا من أعضائها بالاعتذار عن الإساءة لهم قبل أن تتطور لتصل إلى إسقاط الشيوخ للتعديلات الدستورية، وهو ما رفع أزمتهم إلى خلاف مع الرئيس ولد عبد العزيز، انتهى بإلغاء مجلسهم عبر استفتاء ما زال عدد منهم يرفض نتائجه.
ويرى متابعون أن رئيس الحزب الحاكم نجح في نقل المعركة من ميدان الحزب إلى ساحة البرلمان، ووضع الوزير الأول يحي ولد حدمين أمام اختبار جديد، حيث ينتظر أن يمثل أمام النواب لتقديم حصيلة عمل حكومته للعام 2017، وآفاق عملها للعام 2018 وذلك قبل نهاية شهر يناير الجاري، في ظل إبداء حضور غالبية كتلة حزبه للاجتماع الذي خصصت غالبية مداخلاته للتهجم عليه.
صراع الأحلاف..
عمل كل من الطرفين المتصارعين خلال الأشهر الماضية، ووفق ولد محم في استمالة العديد من الأحلاف داخل الحزب الحاكم لصالحه، فقد “استعاد” ثقة الفريق القيادي الأول للحزب الحاكم، والذي عمل مع رئيسه ولد محمد الأمين، وشكل هؤلاء عماد المداخلات خلال الندوة التي تناولت حصيلة العام 2017.
كما استمال ولد محم حلف الوزير الأول مولاي ولد محمد الأغظف، وتصدر هؤلاء الهجوم على “الخصم” المشترك الوزير الأول يحي ولد حدمين وحكومته.
وعلى مستوى القيادات نجح ولد محم في استقطاب غالبية أعضاء المكتب التنفيذي للحزب الحاكم، حيث حضر أكثر من ثلثيهم للعشاء الذي نظمه على شرف البرلمانيين.
أما ولد حدمين فقد أحكم السيطرة على أعضاء حكومته، وهو ما يضمن تأثيرا معتبرا على مستوى القواعد السياسية في ظل الزخم الذي يحاط به الوزراء لدى النشطاء السياسيين، والفاعلين في الولايات الداخلية للبلاد، وسط حديث عن دعم معتبر من بعض الأجهزة.
مآلات الأزمة..
ويتوقع عدد من المتابعين السياسيين أن يكون مآل الأزمة الحالية “إزاحة” الرجلين من واجهة الفعل الحكومي والسياسي في البلاد بهدف تخفيف درجة الاحتقان داخل قيادة الموالاة، وإعادة مستوى من الانسجام والعمل بروح الفريق إلى داعمي الرئيس ولد عبد العزيز، وذلك في أفق استحقاقات انتخابية متلاحقة خلال الـ18 شهرا القادمة.
ويدفع هؤلاء بأن “الانتصار” لأي من الطرفين سيعني إحكام الآخر لسيطرته على المشهد بشكل تام، ففي حال انتصر رئيس الحزب الحاكم فإن الحكومة ستتحول إلى لجنة تابعة لرئيس الحزب الحاكم، أما في حال انتصار ولد حدمين فإن الحزب سيواجه هزة في الثقة فيه، وربما يدفع ذلك العديد من أنصاره “للبحث عن عناوين أخرى للثقة، ولنيل التعيين، لأنه حين تكون الحكومة مستقلة عنه يكون بلا فائدة” حسب النائب البرلماني والبروفسير محمد ولد عيه.
ورغم أن إقالة ولد حدمين لا تتطلب أكثر من مرسوم رئاسي، إلا أن تغيير ولد محم قد يحتاج لإجراءات تأخذ بعض الوقت، حيث يحتاج تغييره – قانونيا – لانعقاد مؤتمر للحزب، في ظل انتهاء المأمورية القانونية للمجلس الوطني للحزب منذ العام 2014، وتأجيل حملة الانتساب لأكثر من مرة.
هذا إذا لم تتم إزاحته بنفس الطريقة التي وصل بها عبر تحويل اجتماع المجلس الوطني الحالي إلى مؤتمر استثنائي، حيث إن انتخابه رئيسا للحزب تم بعد انتهاء مأمورية المجلس الوطني بقرابة شهرين.
ويبقى الصراع الذي خرج للعلن، وأصبح حديث المهتمين بالسياسة في نواكشوط خلال الأيام الأخيرة في انتظار حسم سريع يضع حدا للأزمة، ويعيد الهدوء لصفوف قيادات الأغلبية الحاكمة، وذلك في حال لم يكن الانقسام الحالي إرهاصات “للتنافس” على موريتانيا ما انتخابات 2019 الرئاسية.
موقع الأخبار