العربي الوحيد الذي عزل من رآسة الأمم المتحدة؛ و لماذا؟
كم خيَّبت الأمم المتحدة آمال المظلومين والمقهورين في العالم، والذين تطلعوا مراراً إلى إنقاذها لهم من القتل والتشرد؟.
وبعد تاريخ به بعض الإنجازات، ولكن مليء بالإخفاقات التي يتعلق كثير منها بدول عربية وإسلامية، حان الوقت لفحص وظيفة الأمم المتحدة على وجه التحديد، أو ما آلية عملها؟
تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، سعى -تزامناً مع انعقاد الدورة الـ72 للجمعية العامة للأمم المتحدة واجتماع قادة العالم لحضورها- لرصد أسباب إخفاقات الأمم المتحدة في تحقيق الأهداف التي ناضلت لأجلها المنظمة منذ أن وضع مؤسسوها ميثاقها؛ أملاً في جعل العالم مكاناً أفضل وأكثر سلاماً.
متى وأين ولماذا أبصرت الأمم المتحدة النور؟
تم التصديق على ميثاق الأمم المتحدة في مؤتمر عُقد بسان فرانسيسكو في يونيو/حزيران 1945 بقيادة 4 بلدان؛ هي: بريطانيا والصين والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية.
وريثما دخل هذا الميثاق حيز التنفيذ في الـ24 من أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، كانت حرب عالمية كبرى قد وضعت لتوها أوزارها، لكن معظم أنحاء القارة الإفريقية والآسيوية كانت ما تزال ترزح تحت نير القوى الاستعمارية.
دارت مفاوضات حامية، من بعدها وافقت 50 دولة على ميثاق يستهل بـ”نحن، شعوب الأمم المتحدة”.
لكن لِم هذا السطر الافتتاحي جدير بالملاحظة؟ ذلك لأن الأمم المتحدة في يومنا هذا قد تبدو في أعين البعض تخدم المصالح الوطنية الضيقة لدولها الـ193 الأعضاء –خصوصاً أقواها- بدلاً من خدمة مصلحة المواطنين العاديين.
“الأمم المتحدة أشبه بضميرك، فهي لا تستطيع جعلك تفعل الصواب، لكنها قد تساعدك على اتخاذ القرار الصحيح”، هكذا قالت مارغريت هوانغ، المديرة التنفيذية المؤقتة لمنظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة.
لكن تلك الأولويات ضيقة الإطار، قد تقف في وجه تحقيق العهدين اللذين يُستهل بهما الميثاق؛ ألا وهما إنهاء “ويلات الحرب” واستعادة “الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان”.
ذكرى أليمة
وارتبطت الأمم المتحدة بذكرى أليمة لدى العرب؛ ففي عام 1947: أقرت الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين إلى دولة عربية مستقلة وأخرى يهودية وتعيين القدس مدينة دولية، وسلمت بريطانيا انتدابها على فلسطين من قِبل عُصبة الأمم إلى الأمم المتحدة، ويتم إعلان دولة إسرائيل واندلعت فوراً العمليات بين العرب واليهود، وفقاً لما ورد في تقرير لموقع الجزيرة.
وفي عام 1948: تم إنشاء هيئة مراقبة الهدنة -وهي إحدى بعثات الأمم المتحدة الكثيرة في الشرق الأوسط- عام 1948 لمراقبة السلام في فلسطين. وصدر القرار 194 الذي يقرر إنشاء هيئة العمل والإغاثة التابعة للأمم المتحدة “أونروا” من أجل اللاجئين الفلسطينيين.
مُثلٌ عليا لحقوق الإنسان.. فهل تحققت؟
عام 1948، أعلنت الأمم المتحدة تبنّيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي نص على حق عدم الاستعباد وعلى حق حرية التعبير وعلى حق طلب الحماية واللجوء إلى دول أخرى.
لكن الكثير من تلك الحقوق المنصوص عليها -من تربية وتعليم ومساواة في الأجور وشروط العمل والجنسية- ما زالت لم تتحقق، حسب “نيويورك تايمز”.
الجمعية العامة: القذافي يتحدث
في كل خريف، تتحول الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة الأممية إلى ساحة يتناوب فيها الرؤساء ورؤساء الوزراء على إلقاء الخطب والكلمات، التي تتراوح بين الاعتيادية المقولبة والصارخة المدوية، أو قد يلقون محاضرات مطولة مفككة يعوزها الترابط، كتلك التي ألقاها العقيد معمر القذافي عام 2009.
يحفل الحدث عادةً بالأضواء المسلَّطة على الشخصيات البارزة وسحر تأثير كل منها، لكن النقاد يرون أن الجلسة الافتتاحية ليست مجرد سوق للخطب اللاهبة.
ففيما يتبقى من وقت الجلسة، تكون الجمعية العامة ميداناً للمبارزات الدبلوماسية الرمزية، فيها الرابح والخاسر، حيث في كل عام تُقترح مئات القرارات التي قد تستقطب الانتباه والأنظار، مثل ذلك الذي اقتُرِح عام 1975 والذي نادى بمساواة الصهيونية بالعنصرية، إلا أن تلك المقترحات تظل مقترحات لا أكثر، أي إنها غير مُلزِمة قانونياً. لكن الجمعية العامة منوط بها كذلك اتخاذ قرارات خاصة بالميزانية.
نظرياً، تتمتع كل الدول، سواء منها الغنية والفقيرة والكبيرة والصغيرة، بمنابر وأصوات متساوية في الجمعية، حيث لكل منها صوت اقتراعي واحد، لكن القوة الحقيقية تكمن في مكان آخر.
مجلس الأمن: نفوذ واسع لقوى معينة.. فهل عفى عليه الزمن؟
إن الذراع الأقوى في الأمم المتحدة هي -بلا منازع- الدول الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن؛ فالمجلس له القدرة على فرض العقوبات مثلما فعل بإيران على خلفية برنامجها النووي، كما لديه السلطة التفويضية التي تخوّل له التدخل العسكري في الدول مثلما حدث في ليبيا عام 2011.
كذلك، يقول النقاد إن مجلس الأمن هو أكثر مؤسسة عفى عليها الزمن من مؤسسات المنظمة الأممية؛ إذ يبدو من حقبة وزمن غابر غير معاصر، فأعضاؤها الـ5 الدائمون هم منتصرو الحرب العالمية الثانية: الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا، فيما الأعضاء الـ10 المتبقون هم منتخبون فترة عامين، مع مقاعد مخصصة لكل منطقة مختلفة من العالم.
وكلما بُذلت جهودٌ لتوسيع نطاق العضوية الدائمة في هذا المجلس كي يتسع لقوى برزت من بعد عام 1945 كالهند واليابان وألمانيا، أُجهضت تلك الجهود ووُضعت في سبيلها العراقيل، فكلما طمحت دولة إلى الظفر بكرسي، سارع منافسوها لعرقلتها وسد الطرق أمامها.
ولأي دولة من تلك الدول الـ5 الدائمة (التي تسمى P5 اختصاراً) حق النقض أو الفيتو ضد أي قرار يعْرض للتصويت، ولطالما استغلت كلٌ من هذه الدول حقها هذا؛ إما لحماية نفسها وإما لحماية حلفائها.
فالولايات المتحدة، مثلاً، منذ حرب الخليج عام 1990، استعملت ورقة الفيتو على طاولة قرارات المجلس 16 مرة، معظمها فيما يخص العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية، وكذلك فعلت روسيا 17 مرة، 8 منها لصالح حليفتها سوريا.
وينص ميثاق الأمم المتحدة على السماح للجمعية العامة باتخاذ تدابير في حال عرقلة الفيتو لمساعي الأمن والسلام الدوليَّين وتعريضهما للتهديد، بيد أن هذا الحق نادراً ما يطبق على أرض الواقع.
لماذا تعجز عن حفظ السلام؟
إن مهمة مجلس الأمن تتلخص في حفظ السلام الدولي، لكن مقدرته على ممارسة هذه الوظيفة قد تقلصت وانكمشت إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، والسبب في ذلك يرجع في معظمه إلى الانقسام والهوة الفاصلة بين روسيا والغرب.
فأمام الحروب والصراعات الكبرى وقفَ المجلس عاجزاً، خصوصاً عندما تكون للدول الـ5 الدائمة يدٌ ومصلحة في تلك النزاعات.
ومؤخراً، كان الفشل الذريع الأسوأ في تاريخ مجلس الأمن هو عجزه عن معالجة الحرب السورية التي ظلت تشتعل 6 سنوات؛ لأن جميع دوله الدائمة طرفٌ فيها، فروسيا والصين تدعمان حكومة الرئيس بشار الأسد، فيما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تدعم بعض مجموعات المعارضة.
وأخفق مجلس الأمن في حسم قرار بشأن سوريا رغم تعدد تقارير جرائم الحرب المرتكبة فيها، وكذلك فشل المجلس في وضع حد لحرب اليمن رغم وصولها حد تفشي وباء الكوليرا وتوثيق 600 ألف إصابة حتى الآن.
وأحدث القضايا التي يواجهها مجلس الأمن الآن والتي تتزايد فظائعها يوماً بيوم، هي العنف الدامي المرتكب بحق مسلمي الروهينغا في ميانمار.
كذلك، تعمدت كوريا الشمالية، الحليفة العتيدة للصين، مراراً وتكراراً تجاهل حظر الأمم المتحدة إجراء التجارب النووية، فطورت برنامجها التسليحي بسلسلة تجارب صواريخ باليستية نووية وعابرة للقارات؛ حتى إنها بعد بضعة أيام فقط من فرض الأمم المتحدة عليها أشد العقوبات التي فرضتها قاطبة –في الـ11 من سبتمبر/أيلول- على خلفية إجراء تجربتها النووية الـ6 والأقوى حتى الآن، أقدمت كوريا الشمالية غير مبالية على إجراء تجربة صاروخية جديدة وكأن شيئاً لم يكن.
الأمين العام: صوت مسموع.. وهذه حقيقة دوره الغامض
ليس الميثاق واضحاً في تعريفه مهام الأمين العام، كبير مسؤولي الأمم المتحدة، فالمفروض ألا يبدي انحيازاً إلى أي دولة، ولكن هذا المنصب يخضع كثيراً لتمويل وتزكية الدول العظمى.
يقوم مجلس الأمن –وخصوصاً دوله الـ5 الدائمة- باختيار الأمين العام بتصويت سري؛ كي يخدم مدةً أقصاها فترتان، طول كل منهما 5 سنوات، واعتماد هذا المنصب على هذه العملية يصعّب على شاغله أن يستقل في دوره عن نفوذ الدول الـ5 دائمة العضوية.
ليس تحت إمرة الأمين العام قوة عسكرية ولا جيش يسيّره بمشيئته، لكن قوة المنصب تنبع من منبره التقريعي الناقد ذائع الصوت، فلو كان صاحب المنصب مستقلاً في أنظار الجميع، فما من أحد سواه في العالم أجمع يمكنه دعوة الأطراف المتحاربة إلى طاولة مفاوضات السلام.
المصري الذي تولى رئاستها
في عام 1992: أصبح بطرس بطرس غالي (من مصر) الأمين العام للأمم المتحدة. بعد 6 أشهر في وظيفته أصدر ما يُعرف بأجندة السلام، وهي مقترحات لتحسين نهج الأمم المتحدة للدبلوماسية الوقائية وصنع وحفظ السلام.
وقاد في 1995 احتفالات الأمم المتحدة بالذكرى الخمسين لتأسيسها، حسبما ورد في تقرير لموقع الجزيرة.
لكن استياء الولايات المتحدة من نهج غالي المستقل، حال في النهاية دون نجاحه في تولي أمانة الأمم المتحدة لولاية ثانية في 1996، حسب “بي بي سي”، ليكون بطرس غالي هو الأمين العام الوحيد للأمم المتحدة الذي لم يشغل ولاية ثانية؛ بسبب استخدام الولايات المتحدة الفيتو ضده على الرغم من موافقة 14 دولة على إعادة ترشيحه من دول مجلس الأمن الـ15، وفقاً لموقع فرانس 24.
ورأى بطرس غالي أن واشنطن استخدمت الفيتو لمعاقبته على دفع أعضاء الأمم المتحدة لدفع المتأخرات عن عضويتهم، وهي مسألة كانت الولايات المتحدة، التي تدفع 25 في المائة من ميزانية الأمم المتحدة، طالما تتلكأ في القيام بها.
كما اعتقد غالي أنه جرى إبعاده بسبب انتقاده ممارسات إسرائيل، حليف واشنطن الأبرز في الشرق الأوسط، بلبنان، خاصة فيما يتعلق بالهجوم على قانا الذي استهدف المدنيين في لبنان عام 1996.
وهذا العام (2017)، تسلَّم زمام المنصب السكرتير العام الحالي والسياسي البرتغالي أنطونيو غوتيريش الذي كان بين يونيو/حزيران 2005 وديسمبر/كانون الأول 2015 يشغل منصب المفوض السامي للاجئين.
وكان سابقه الكوري الجنوبي بان كي مون، قد أظهر مراراً وتكراراً مواطن الضعف في هذا المنصب وحدود نفوذه في أثناء فترة ولايته التي امتدت 10 سنوات، فمثلاً وعلى مدار سنتين متتاليتين ظل بان كي مون مجبَراً على استبعاد أسماء دول كبرى قوية من قائمةٍ ارتكبت جيوشها جرائم قتل وفظائع بحق الأطفال.
ومنذ عام ،1946 تعاقَب 9 أشخاص على منصب الأمين العام، كلهم من الرجال.
أسئلة حول مستقبل الأمم المتحدة؟
مع توليه منصبه الجديد في الأول من يناير/كانون الثاني 2017، ورث غوتيريش منظمة تواجه مهمة لا يُحسد عليها؛ هي إثبات دور الأمم المتحدة في عالم تواجهه تحديات لم تكن تخطر في البال قبل 72 سنة.
وفيما يلي بعض الأسئلة التي ستحدد إجابتها مصير المنظمة وهل يتعاظم دورها أم يضمحل ويتلاشى:
1. هل لدى مجلس الأمن القدرة على اتخاذ إجراءات بحق الدول التي تضرب بالقانون الدولي الإنساني عرض الحائط؟ وهل في وسع دوله الـ5 الدائمة أن تتجاوز المنظار الضيق لمصالحها الخاصة وتبحث في طرق تنهي بها “ويلات الحرب”؟
2. هل يمكن إصلاح عمليات حفظ السلام بما يضمن حماية المدنيين؟
3. هل تقدر الأمم المتحدة على إقناع الدول بالتوصل إلى طرق جديدة في معالجة الواقع الجديد للهجرة الجماعية؟
4. هل يمكن للأمين العام إقناع الدول باحترام عهدها للحدّ من انبعاثات الكربون ومساعدة من يعانون عواقب التغير المناخي؟
5. هل تستطيع الأمم المتحدة الاقتراب أكثر من تحقيق الغاية التي تأسست من أجلها، التي هي جعل العالم مكاناً أفضل وأكثر سلاماً؟