الدكتور عثمان سونكو شاب مسلم سنغالي مثقف، يحب الاسلام ويدافع عنه، يقرأ القرآن باستمرار، طلع صيته بين السنغاليين عام 2014 بأطروحاته السياسية الثورية الرافضة للفساد ونهب مال المال، والمناهضة للسياسة الغربية الامبريالية، كان فريدا من نوعه في تحديه ضد الفساد في السنغال وغرب أفريقيا.
عثمان سونكو ابن قبيلة جُيُولاَ jóola أحد مكونات الاجتماعية في إقليم “كازامانس Casamansa السنغالية”، وعلى فكرة الاقليم كان مستعمرة برتغالية، وكانت مضطربة أمنيا، تنشط فيه حركات مسلحة انفصالية، دارت فيها حروب بينها والحكومة السنغالية دامت 40 سنة، كانت تقودها حركات متعددة منها (حركة القوات الديمقراطية لكازامانس) منذ 1982، كانت تدعو الى الانفصال عن السنغال، ثم أعلنوا وقف إطلاق النار من طرف واحد في 2014.
ولد سونكو عام في مدينة تييسthies عام 1974 التي تبعد عن العاصمة السنغالية حوالي 70 كيلومتراً، درس الابتدائية إلى الماجستير في السنغال والدكتور قسم الاقتصادي والضرائب من جامعة جان مولان – ليون الثالثة في فرنسا.
منذ دراسته الجامعية ونظرا لتخصصه انخرط عثمان سونكو في العمل النقابي والسياسي، وكان نشطا في (جمعية التلاميذ والطلاب المسلمين) الى أن أسس لنفسه اتحاداً مستقلاً للوكلاء الضريبيين عام 2005، واكتشف من خلاله عن التجاوزات المالية خطيرة وسوء إدارة الأموال في السنغال كبير وعميق.
قرر الشاب سونكو كشف الفساد المالي على مستوى الضرائب وتنفيذ الميزانية في السنغال أولا، ورأى ان الاصلاح يصعب دون أن يؤسس حزبا سياسيا لغرض الاصلاح، فأسّس حزب (الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة) مع أصدقاء له، المعروف اختصاراً بـ(باستيف) ومن هنا اكتشفه الشعب السنغالي من خلال خطاباته النظيقة الصادقة ضد الفساد العام في الدولة، فانضم إلى حزبه اىشباب السنغاليين في الداخل والخارج، ومن ضمن المنضمين رفقيه وصديقه المقرب بشير جوماي فاي رئيس السنغال المنتخب.
كان تركيز سونكو في تصريحاته بعد تأسيس حزب (باستيف) على الأمور التالية:-
– فساد الحكومة وإهدار مال العام.
– فساد البرلمانيين والسياسيين والدبلوماسيين
– فساد النخبة المثقة والعسكر
– سياسة فرنسا الاستغلالية في السنغال وافريقيا
– التحرر من القبضة الغربية الاستعمارية
– تحرير اقتصاد السنغال وأفريقيا من فرنسا والغرب
– تخلص السنغال من الفرنك الأفريقي بعملة محلية، والخروج من النظام النقدي للفرنك الفرنسي
هذه الانتقادات وضعت سلطة ماكي سال في حرج شديد، فقرر قمعه ووقفه بجميع الوسائل، بدؤا بتجريده من الوظيفة الحكومية بتهمة (انتهاك حقّ التحفظ) عن أسرار الدولة، وطرده من الوظيفة العمومية، ومنع تجمعاته الخطابية.
وبعد هذا التجريد غير الدستوري والقانوني قرر سونكو المشاركة في الانتخابات التشريعية عام2017 على رأس قائمة حربه، وفاز ودخل في البرلمان، وأصبح برلمانيا معارضا شرشا، كان يواجه الحزب الحاكم الذي اتهم بتزوير تلك الانتخابات التشريعية، وزاد انتقاده لفساد السلطة.
وفي يوم 16 سبتمبر 2018 تقدّم عثمان سونكو بملف ترشحه لانتخابات الرئاسة السنغالية عام 2019 وبالفعل شارك فيها وحل ثالثاً خلف الرئيس ماكي سال، والسياسي إدريس سك بنسبة %15.67 من أصوات الناخبين الشباب، اتهمت المعارضة ماكي سال بتزوير الانتخابات لصالح حزبه، ومع خسارته إلا أن الشباب معه ويحبونه.
وزاد انتقاد المعارضة بقيادة سونكو على نظام ماكي سال بسبب تساعد نسبة الفساد والمحسوبية في الدولة، تم استهداف سونكو مرارًا وتكرارًا من نظام ماكي سال باستخدام وثائق مزورة وادعاءات كاذبة تهدف إلى تشويه سمعته وضرب مصداقيته.
ظهرت فتاة تدعي “أجي” تدعي أن سونكو اغتصبها في صالون تدليك صحي في دكار، ونفى سونكو القضية تماما، ولكن تم القبض على سونكو بالقرب من جامعة الشيخ أنتا ديوب في 4 مارس 2021 ووُجّهت إليه تُهم الإخلال بالنظام العام؛ وكان القبض أصلا في طريقة الى المحكمة للدفاع عن نفسه ضد تهم الاغتصاب التي يقول هو ومؤيدوه وعلى رأسهم بشير جوماي فاي إنها ذات دوافع سياسية كيدية، حيث استخدمت مثلها لقمع المعارضة في الماضي، وبالأحكام القضائية جرّدت السياسي السنغالي المعارض خليفة سال وكريم واد، من ممارسة حقوقهما الدستورية.
دخل سونكو في نفق آخر، مشكلة مع القضاء المسيس، بسبب تهمة الاغتصاب أراد ماكي سال اغتياله قضائيا بعد فشله سياسيا، لكن أدّى اعتقال سونكو إلى اشتباكات بين الشرطة والطلاب المتظاهرين في داكار وفي بينونا وقتل ثمانية أشخاص خلال الاحتجاجات واستمرت، وفي كل خروج يقتل فيها الشباب بدم بارد.
وفي 4 مارس 2021 نظم السنغاليون في نيويورك احتجاجا في مقر الأمم المتحدة للمطالبة بإطلاق سراح سونكو من السجن دون قيد أو شروط، كما طالب وسيط الجمهورية عليون بدارة سيسي الحكومة بوقف التهديدات والترهيب ضد المعارض سونكو، ودعا بالمقابل المتظاهرين انصار سونكو إلى وقف العنف والنهب، محذرا في 7 مارس من (أننا على شفا نهاية العالم)
ودعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الايكواس) إلى ضبط النفس والهدوء بالإضافة إلى ضمان الحق في الاحتجاج، بينما دعا أنصار سونكو إلى مواصلة الاحتجاج بدءًا من 8 مارس حتى الافراج عنه، وتأزم الوضع، وقتل أنصار سونكو ما لا يقل عن 60شخصا واعتقل أكثر من 2000شخص وزج بهم في السجن.
كانت سياسة ماكي سال القضاء على المعارضة القوية التي تسبق انتخابات 2024 حيث كان ينوي تعديل الدستور لترشح لولاية ثالثة، كما حدث في غينيا كوناكري برئاسة ألفا كوندي وساحل العاج برئاسة الحسن وترا.
واتهمت المحكمة السنغالية من المعارضة بتسييس قضية سونكو لصالح الرئيس ماكي سال ضد خصومه السياسيين حيث أجلت القضية إلى 8 مايو 2023 الماضي، ثم الإدانة في الدرجة الأولى ، لكن تم رفع العقوبة إلى 6 أشهر مع وقف التنفيذ، وفي 14 ديسمبر 2023، صدر الحكم في المحاكمة الجديدة بشأن أهلية عثمان سونكو وإعادته إلى القوائم الانتخابية.
ثم تم منعه مجددا من المشاركة في الانتخابات قضائيا، ورفض ملفه قضائيا، وخلال وجوده في السجن عين في يوم 28 يناير 2024 بشيرُ جوماي فاي صديقه ورفيقه أمينا عاما لحزب (باستيف) ومرشحاً رسمياً له نيابةً عنه، في الانتخابات الرئاسية التي أجريت أمس في 25 فبراير 2024، رحب شباب الحزب وأنصاره والمتعاطفين والحلفاء بالقرار، وهكذا جاء بشير جوماي فاي .
وعلى فكرة بشير جوماي فاي نفسه الذي لا يتجاوز 44 ربيعا هو من مواليد 1980 كان سجينا تم القبض عليه بسبب انتقاده سير العدالة في ظل حكم ماكي سال، وزج به في سجن كيب مانويل لفترة الى غاية 3 مايو 2023 الماضي، كان أحد المستهدفين من نظام ماكي سال.
ولمن لا يعرف؛ تعرف عثمان سونكو على بشير جوماي فاي وهو من قبيلة “سرير” في مديرية الضرائب والأملاك العقارية، حيث انضم إلى النقابة التي كان يقودها عثمان سونكو، و هي النقابة التي تولى أمانتها العامة قبل أن يفسح المجال لغيره، وبعد تأسيس حزب (باستيف) كما أسلفتُ
تمت دعوته في البداية إلى حضور اجتماعات المكتب السياسي قبل أن يصبح عضواً أساسياً فيه بسبب صرامته وذكائه وإنتاجه الفكري، وسرعان ما تولى تنسيقية (الحركة الوطنية للكوادر الوطنيين) وهي الحركة التي تجمع كوادر حزب باستيف، مع جمعها بملف سنغالي الشتات داخل الحزب.
وفي يوم 15 مارس 2024 قامت السلطة السنغالية القضائية بإطلاق سراح سونكو مع رفض ملفه الترشحي وكذلك نائبة مرشح الرئاسي بشير جوماي فاي وغيرهم من المسجونين، وبين إطلاق سراحهم والانتخابات الرئاسية أسبوعين فقط، لكنهما اجتهدا وخاضا الانتخابات.
وهكذا فاز بشير جوماي فاي على رئاسة السنغال وفي الحقيقة عثمان سونكو هو الرئيس الفعلي للسنغال يرجع الفضل إليه، يعد بشير جوماي فاي تلميذه، كانا في السجن معا وخرجا في نفس اليوم لقيادة الحزب وخوض الانتخابات والى الفوز.
يرى بعض المراقبين أن عثمان سونكو سيشكل الحكومة ويقودها على طريقة بوتين ورفيقه ميدفيديف، وسيعود عثمان سونكو مرشحا للحرب في الانتخابات الرئاسية القادمة ورئاسة الدولة بعد 5 سنوات من الآن بإذن الله.
نضال طويل وتحدٍ كبير، قتل من خلاله شباب سنغاليين وقفوا ضد ديكتاتورية ماكي سال، وسيخضع ماكي سال للمحاكمة بتهمة الفساد واستخدام العنف والنفوذ ضد خصومه السياسيين، إنه حذاء لفرنسا، تم نزعه ورميه في مزبلة التاريخ.
محمد الامين سوادغو