أيام قليلة تفصلنا عن العام الدراسي الجديد، وهي السنة الثانية من ميلاد المدرسة الجمهورية بعد مخاض عسير.
لقد اختار صاحب الفكرة التسمية (المدرسة الجمهورية) واحتفل الجميع وهنأ، لعله يكون مولودا مباركا يجد فيه كل بيت موريتاني ذاته ويتنسم من خلاله مستقبلا زاهرا لولده.
وسعادةُ كل بيت تعطي بالضرورة سعادة الوطن ونموه وازدهاره وتطوره.
وبعد انطفاء الشمعة الثانية لهذا المولود اتضح أنه خديج، فالفكرة لم تنضج جيدا؛ حيث لم يتمكن من الحبو في مسار واضح المعالم، إنه يزحف في فضاء مفتوح، وفي اتجاهات متعددة غير محددة .. يتتأتأ مثل متبَنّيه بكلمات متناثرة لا تعطي جملة مفيدة.
لقد احتفلت الحكومة السنة الماضية، واحتفت بمولودها “المدرسة الجمهورية”، وسخرت وسائل الإعلام الرسمية للدعاية، وقام الوزير بجولات عديدة في الميدان، كان أكثرها عليه لِما صاحبها من صخب وتشنج وارتجالية منه، وتهكم وتسفيه وممانعة من قبل الكثير من المدرسين؛ الأمر الذي قوّض الفكرة وشلها في مهدها.
فالمدرسة الجمهورية يجب أن تأتي بجديد، ولكن الجعجعة كانت أكثر من الطحين.
-تحدثوا عن الزي المدرسي؛ فكانت نسبة التغطية تحت ال 20%
-وعن الكتاب المدرسي؛ فكانت التغطية دون ذلك، وكانت الأخطاء اللغوية والإملائية في صفحات عديدة مما طالعت.
-ظل النقص حاصلا في الطواقم والمباني والأثاث والأدوات.
-لم يتحسن سلوك التلاميذ ولا انضباطهم.
-لم تزدد مواكبة الأولياء لأبنائهم.
-لم تتحسن نسبة النجاح. (15% في الباكالوريا و49% في كنكور)
-ظلت الأخطاء قائمة في تسيير المصادر البشرية؛ حيث يعلق راتب المدرّس الحاضر ويفَرّغ النافذ ويعيّن الزبون والقريب.
-لم تتطور آليات الرقابة والمتابعة.
-لم تتحسن ظروف المدرس بشكل فعلي.
-لم توضع معايير للتعيين أوالترقية.
فمن الغريب أن أغلب رؤساء المصالح والأقسام والمستشارين العاملين بالإدارات الجهوية والوزارة -إن لم يكن جميعهم- وصلوا بوساطة.. “وما بني على باطل فهو باطل”
وفي المقابل ظلت المدارس الأجنبية وأخواتها تستقطب أبناء الطبقة الميسورة .. يستفيدون فيها من تعليم جيد، وبقي أبناء الفقراء -وما أكثرهم- للمدرسة الجمهورية المترهلة (الوطنية للفقراء، وللحكام الوطن)
لقد كان حلم المدرسة الجمهورية خيطا يمكن التشبث به، لعله يوصل إلى جمهورية واقعية ينعم فيها المواطن بالأمن والأمان، في جو ديموقراطي تسوده العدالة والمساواة، ولكن اتضح أن الأمر ليس إلا زوبعة سياسة من سياسات أنظمة العالم الثالث؛ حيث يتم الترويج لفكرة نبيلة الهدف منها أساسا رصد ميزانية ضخمة تصرف وتبدد في غير ما أعلن.
غير أنه لا بأس بالمحافظة على بصيص الأمل الخافت:
فإذا كان الهدف من المدرسة الجمهورية استهلاك سياسي أو استنزاف مالي فقد تم، وإذا كان -بالفعل- استشراف لمستقبل البلاد فإن القاطرة لم تأخذ الوضعية السليمة على السكة.
لذلك فإن وزير التهذيب الحالي -وهو الكاتب المثقف والمفوّه- مطالب أكثر من غيره بوضع القاطرة على السكة في أسرع وقت ممكن، والانطلاق بالعملية التربوية مع المسار السليم؛ ليتحقق حلم المدرسة الجمهورية التي تذوب فيها الفوارق، ويتحدث فيها أبناء الوطن الواحد بلغات يسمعونها جميعا، وتتكافؤ فيها الفرص، وتنصهر فيها العرقيات والعناصر والطبقات والشرائح والقبائل في بوتقة الوطنية.
وصحيح أن المطبّات كثيرة والعراقيل متعددة، لكن حسن قيادة القبطان تتغلب على كل الصعاب.
فالحذرُ من المبررين والانتباه للمسيرين واليقظة مع العمال والتجربة والخبرة في الميدان أمور كفيلة برسو القاطرة إلى بر الأمان.
فهل سيتمكن الوزير المختار ولد داهي من قيادة قاطرة التعليم حتى ترسو بأمان في مباني المدرسة الجمهورية ..؟
أم أنه سيبقى رقما مثل من سبقوه..!؟
“تعددت الاسماء والوزير واحد”