السلام عليكم
تنبيهات حول تعليق الجمعة
أولا — من المعلوم أن الشريعة حافظت على أرواح الناس وقد جاءت لسعادتهم الدنيوية والاخروية وهذا مسلم به لا يحتاج للاستدلال .
ثانيا — أن مهمة الحاكم الحفاظ على الكليات الضرورية التى بها قوام الحياة ولا يمكن تحققها بدونه ولذلك كان نصب الحكام ضرورة شرعية وعقلية لا يمترى فيها ذو عقل
ثالثا — أن شر هذا الوباء مستطير وسريع الانتشار وأن التباعد هو الوسيلة التى تواتر الناس مسلمهم وكافرهم على جدوائيتها فى اللحظة الراهنة
رابعا — أن الجمعة شعيرة عظيمة وميزة لنا نحن المسلمين وفيها مالا يخفى على أحد من المعانى وقد أمر الله بالسعي إليها وتعطيلها قد يؤدى نتيجة عكسية إذ الناس فى أيام الازمات تلجأ إلى الله تعالى وتسكن أنفسهم إلى ذكره وبيوته ومن المعلوم أن الطمأنينة النفسية لها عامل كبير فى الصحة البدنية خصوصا فى هذه الحالة التى عجز أطباء العالم فيه عن إيجاد لقاح يحد من انتشار الوباء
خامسا — ولأن مشايخنا الذين سارعوا فى حتمية التعليق وجلبوا له كل الأدلة وكذلك حكامنا – حفظ الله الجميع – قد غاب عنهم أن الجمعة شعيرة من شعائر الله وأنها ذكر الله وفيها التوعية الصحية المصحوبة بالترغيب والترهيب وذكر الايمان بالقضاء والقدر والصدقات وأثرها والدعاء وغير ذلك مما يساعد فى الحملة العالمية والوطنية ضد هذا الوباء فتركوا الناس مع وسائل – لا نقلل من أهميتها — لكنها عند الصين وايطاليا واسبانيا أكثر بكثير وترون ما حل بهم
سادسا — قد ضيق بعض فقهائنا واسعا فأبطلوا عبادات الناس بناء على أقاويل وروايات فى المذهب أنزلوها على هذه الحالة وذلك بناء على أن القضية أمر من ولى أمر المسلمين وقد نهاهم فى موضع له فيه النظر والاجتهاد وله الحق فى تقدير المصلحة وهو أدرى بها
وهذه مقدمات صحيحة لا جدال فيها لكن المسألة تتعلق بالعبادة وحكم الحاكم لا يدخل العبادات قال القرافى فى الفرق الرابع. العشرين والمأيتن ” اعلم أن العبادات كلها على الاطلاق لا يدخلها الحكم البته بل الفتيا فقط
إلى الفقهاء
وهذا يظهر أن الامام لو قال لا تقيموا الجمعة إلا باذنى لم يكن ذلك حكما وان كانت مسألة مختلفا فيها هل تفتقر الجمعة إلى أذن السلطان أم لا ‘ وللناس أن يقيموها بغير اذن الامام الا ان يكون فى ذلك المشاقة وخرق أبهة الولاية واظهار العناد والمخالفة فتمنع اقامتها بغير أمره لأجل ذلك لا لأنه موطن خلاف اتصل به حكم حاكم وقد قاله بعض الفقهاء
فقولهم حكم الحاكم يرفع الخلاف إنما ذلك فى مواطن الترافع والنزاعات الفردية وأما العبادات فحكمه فيها فتوى ولذا لو حكم شافعى بثبووت رمضان بشاهد واحد اختلفوا هل يلزم المالكى ام لا يلزمه
باللزوم قال ابن راشد القفصى وبعدمه قال القرافى ففى الحطاب قال
قال سند لو حكم الامام بالصوم بشهادة لم يسع العامة مخالفته لان حكمه صادف محل الاجتهاد وفيه نظر يرجع الى تحقيق الحكم فان الحاكم انما حصل منه اثبات الشهادة من غير زائد واذاقال الحاكم شهد عندى فلان وحده وقد أجزت شهادته وحكمت بالصوم تنزل ذلك منزلة فتوى لا حكم ، قال فى التوضيح لم يقل ابن عطاء الله فى هذا الفرع شيئا بل تردد فيه قلت ” الحطاب ” وكلام سند يقتضى أنه متردد في ذلك أيضا انتهى منه
فلا أن مشايخنا حفظهم تواردوا على أن حكم الحاكم يرفع الخلاف وبذلك علقت الجمعة وأبطلت صلاة من صلاها جمعة
مع أن الجارى فى المذهب أن المخالفة أن لم تتعلق بذات الصلاة لا تؤثر فيها فسادا لأن عندنا أن الواحد بالشخص يتعدد بالصفة ولذا قال خليل وصح بالحرام وعصى وقالوا فى شأن الصلاة
وصحت ان سرق أو محرما
نظرأو لبسه وأثما
وهذا يشهد. له حكم النبي صلى الله عليه وسلم ببطلان صلاة خلاد بن رافع وقال له ارجع فصل فانك لم تصل لأنه أخل بأركانها ، وقد ورد فى الصحيح أنه دعا أبا سعيد بن المعلى وهو فى الصلاة فلم يجبه حتى سلم فقال له الم تجد فى ما أوحي الي ” استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم ” ولم يأمره باعادة الصلاة مع أنه أثناء تأديتها مخالف للأمر – حاشاه من قصد ذلك – وقد رويت القصة كذلك عن أبي بن كعب رضى الله عنه وقد صحح عثمان رضي الله عنه صلاة البغاة وأمر من سأله أن يصلي معهم
هذا يدل على أن ابطال صلاة مكتملة الأركان والشروط من الصعوبة
وعتبنا هنا على ولاة الأمر هو أن التعليق الكامل لهذه الشعيرة يمكن تفاديه بتقليل الجماعات وتباعد الصفوف وأخذ جميع الاحتياطات التى يوصى بها بل يقتصر الجامع على أقل ما تصح به الجمعة فى المذهب ويترخص من تأخر معتمدا على ما نقل الخطابي أن الجمعة واجبة على الكفاية فهو قول وان ضعف أولى من تركها بالجملة
لأنها شعيرة عظيمة وهى فرض يومها على الارجح ولذلك وجدنا علماءنا فرعوا على صلاتها خوفا قال الدسوقى : وكالجمعة فانها من الثنائية لكن إلا بعد أن يسمع كل طائفة الخطبة …. ” فدل على أن الخوف الواقع لا يسقط الجمعة ‘ وقد قال مالك رحمه الله : ان لله فرائض فى أرضه لا يضيعها وليها وال أو لم يلها
ولا شك أن ما علل به بطلان الصلاة منتف هنا لأن جميع الناس متحدون فى قضية هذا الوباء ويساندون الدولة فى إجراءاتها المتبعة وأما أمر الجمعة هو خلاف فى تكييف فقهى وموازنة بين كليين ضروريين أحدهما يتعلق بإبقاء شعيرة دينية ابقاء لا يؤثر على الأنفس نتيجة للاحتياطات المتخذة فى سائر الصلوات فلا فرق بينها الا النية
وهذا الرأى يقابله رأى ءاخر
ولا علاقة للطاعة والعصيان بالموضوع ألبته
سابعا — أتذكر هنا إشارة مالك بن أنس رضى الله عنه على الخليفة العباسى أن يترك البيت بحاله مع أنه أراد أن يبنيه على قواعد ابراهيم عليه السلام حسب حديث عائشة رضى الله عنها المخرج فى الصحيح وقال له لا تفعل أخشى أن يكون البيت ألعوبة بيد السلاطين
هل فكر مشايخنا وحكامنا أن تعليق الجمعة قد يكون سنة سيئة يركبها سلاطين الجور فيعلقوها كلا أ و بعضا اذا كانت الخطبة لا تلائمهم أو كا
أو كان الخطيب ينكر بعضا من قراراتهم
ولن يعدم مطية ممن يتزيا بالعلم يوصله لغايته .
كتبه
الامام محمد الإغاثة بن مختور
السلام عليكم