تقع موريتانيا في شمال غرب إفريقيا وتطل على شاطئ المحيط الأطلسي وتشكل همزة وصل بين العالم العربي والإفريقي ولها أهمية أستراتجية خاصة من حيث الموقع، وقد ظلت عبر تاريخها محط أنظار وأطماع القوى الأستعمارية الأوروبية، وكانت البرتغال أول دولة أوروبية تصل إليها، حيث أستقر البرتغاليون في جزيرة آرغين حوالي عام 1445م وقاموا بتأسيس مراكز تجارية على شاطيئ المحيط الاطلسي، ثم توغلوا حتى وصلوا الى ودان، لكنهم لم يمكثوا هناك لفترة طويلة بسبب ظهور قوى أستعمارية جديدة أخرى ، مثل هولندا وأنجلترا وإسبانيا وفرنسا مما أدى إلى أحتدام الصراع فيما بينهم، وقد أطلق على هذه الأحداث “حرب الصمغ ” و أستطاعت فرنسا في النهاية أن تسيطر على المنطقة بشكل كامل،من عام 1721م،
وتمهيدا لتنفيذ مشروع أحتلال موريتانيا وصل القائد الفرنسي أكزافييي كبلاني في بعثة إلى المناطق الشرقية الموريتانية قادما من السودان الغربي (مالي) سنتي 1898 و 1899م حيث تعرف على القبائل الموريتاية هناك، ثم تلا ذلك ابتعاث رسائل إلى ولاته و تيشيت وآدرار، وفي سنة 1899 كانت القبائل الموريتانية الأساسية التي تقطن مناطق النفوذ السوداني قد أعلنت خضوعها لفرنسا ظنا منها أن دور فرنسا في المنطقة دور إنساني لا غير بغية حماية مواطني هذه القبائل و الحفاظ على تجارهم، وبالتالي أصبحت ملزمة بدفع رسوم فاستطاعت دبلوماسية كبولاني المدعومة بعمليات ضباط من الساحل أن تتمكن من بسط نفوذها دون مقاومة ولا قتال، ليواصل كوبولاني مهمته إلى بلاد الطوارق مصحوبا بمساعده أرنو
وكان كوبولاني قد تبادل الرسائل العطرة وهدايا الصداقة مع الشيخ سعد بوه والشيخ سيديا. وفي 15 ديسمبر 1902 حصل كوبولاني على فتوى تشرع له دخول الأراضي الموريتانية وهذا في اجتماع ضم الشيخ سيديا والشيخ سعد بوه والمترجم أبو المقداد، وبذلك يكون الأحتلال الفرنسي قد هيأ الأرضية الملائمة لتنفيذ مشروعه الأستعماري لإحتلال موريتانيا لربط مستعمراته العربية الشمالية بالجنوبية السوداء،
وفي سنة 1903م بدأ التوغل الفرنسي داخل الأراضي الموريتانية من منطقة أترارزة، ثم تجاوز أترارزة وبدأ الزحف لإحتلال لبراكنة حيث كانت الخطوة الأولى من عملية هذا الاحتلال تتمثل في تأسيس مركز للتموين ببوكي في ديسمبر سنة 1903م، الأمر الذي دفع بأمير لبراكنة أحمد ولد سيدي أعلي الذي كانت تربطه علاقة حسنة مع الفرنسيين، بمعارضة عقده و ساعده في ذلك أمير تكانت بكار ولد أسويد أحمد.
تجدر الإشارة إلى أن اتفاقية الحماية الفرنسية للترارزة قد وضعت إمارة لبراكنة تحت الحماية الفرنسية أثناء الاجتماع الذي ضم وجهاء البراكنة و كبولاني سنة 1902م لكن أمير لبراكنة أحمدو ولد سيدي أعلي فسخ هذا الأتفاق مع الفرنسيين وقاد عدة معارك ضد الفرنسيين و أنضمت إليه أدوعيش لبراكنة وتكانت بقيادة الأمير بكار ولد أسويد أحمد (1).
و لكن القائد كبولاني أستطاع أن يتجاوز منطقة لبراكنة بأتجاه تجكجة دون أية صعوبات تذكر بإسثناء معركة دركل 1905م التي جُرح فيها القائد : د ري، ثم جهز حملة عسكرية لإحتلال تجكجة بقيادة النقيب أفرير جاه الذي كلفه بملاحقة إيدوعيش وإرغامهم على الأنسحاب شرقا لإزاحتهم عن الطريق التي سلكها الفرنسيون بأتجاه تجكجة وأثناء هذه المطاردة وقعت معركة بوكادوم التي جرح فيها الأمير بكار ولد سويد أحمد في 1 ابريل 1905م (2) ويوجد ضريحه في رأس الفيل رحمه الله.
بعد مقتل القائد الفرنسي العام أكزافييي كبولاني منظر الحملة الأستعمارية الفرنسية في موريتانيا (بعد مقتله داخل الحامية العسكرية الفرنسية بتجكجة 12مايو 1905م) بدأت موجات من المواجهة الصدامية بين المستعمر والمقاومة الوطنية المسلحة فوقعت معركة النيملان 25 أكتوبر 1906م وحوصرت قلعة تجكجة يوم 5 نوفمبر 1906، وفي هذه الظرفية قام الفرنسيون بإستعاء كتيبة فرنسية كانت متواجدة في مدينة (أنيويورو بدولة مالي) لدعم القوات الفرنسية وتوفيرغطاء أمني وكان القائد العسكري للكتيبة هو : (النقيب آرنو) وقد وصلت الكتيبة إلى كيفة يوم 11 ديسمبر 1906م حيث سيتم تأسيس حامية كيفة يوم 1 فبراير 1907م وبعد ذلك مباشرة بدأ الفرنسيون حملات عسكرية ضد القبائل المتواجدة في المنطقة وكان أغلب هذه القبائل قد شارك في معركة النيمىلان وحصار تجكجة.
وقد واصل المجاهدون كفاحهم ضد الجيش الفرنسي وشنت المقاومة الوطنية العديد من الغارات على مناطق تمركز القوات الفرنسية في حامية كيفة، وتعتبر قبيلة لقلال من أشهر القبائل التي واجهت الفرنسيين وقاتلت بعنف وشراسة. كما أنها شاركت في معركة النيملان وحصار تجكجة، وهي القبيلة المعروفة بكرمها وشهامتها وحدة شوكتها،وقد تزعم القائد المجاهد سيدي ولد الغوث قبيلة لقلال في مقاومة الأستعمار الفرنسي، وبالرغم من أن جماعات كبيرة وبعض الأفخاذ من قبيلة لقلال أعلنوا خضوعهم للادارة الاستعمارية وطلبوا الأمان فقد واصل سيدي ولد الغوث القتال ضد المستعمر الفرنسي وألحق بهم هزيمة نكراء في العديد من المعارك، وشن الكثير من العمليات الناجحة في تمبكتو، و أزواد، و أروان، و راس الماء، وبحيرة فاگيبين. كما شن حرب عصابات ضد الفرنسيين في جبال تكانت ولعصابه وآفله و في أقصي منطقة ظهر النعمة و ولاته في ( موضع يسمى : حاذ ولد الغوث) كما هاجم المراكز الفرنسية والقبائل الموالية لهم، وقطع طرق التموين. وقد تأكد هذا بالأدلة وذلك بشهادة الفرنسيين أنفسهم، حيث وصفه الفرنسيون بأنه : (عدو الفرنسيين اللّدود، و الحاذق، المحارب ).
ورغم أهمية هذه المصادرالموثوقة والأدلة الرصينة، فإننا سنختصر في هذا البحث التاريخي على الأرشيف الفرنسي “الوثائق الفرنسية” وسننشرها مترجمة. وحسب تسلسلها الزمني والتاريخي وذلك توخيا للحياد والامانة العلمية، بيد انه ينبغي ألا ننسى تحيز الأرشيف الفرنسي للإدارة الأستعمارية الفرنسية وعدم حياديته في نقل الأحداث والمعلومات وأبتعاده عن الموضوعية والإنصاف، وذلك من خلال وصفه لرجال المقاومة بأنهم مجموعات نهب وعامل عدم استقرار، وكذلك عدم ذكره للأنتصارات التي تحققها المقاومة الوطنية ..
الوثيقة الأولى 1907م :
و في النهاية فإن الشريف ملاي إدريس و الشيخ ماء العينين ذهبا إلى المغرب حيث تم استدعاؤهما من قبل السلطان. و ستستمر قبائل آدرار في هدوئها و لا نجد ما نخشاه من هذه الناحية، تبقى لدينا نقطة سوداء لأن لغلال و مشظوف نزلوا غير بعيد من دائرة انيورو و المفاوضات التي بدأت مع زعيميهما سيدي ولد الغوث و محمد المختار ولد محمد محمود لم تتوصل حتى الآن إلى نتيجة لكن نشاط و دبلوماسية السيد مرتيه قد تتغلب على مقاومة و ممانعة هاتين القبيلتين.. وهذه هي الوضعية كما تبدو في الموريتانيتين السودانية و السنغالية و تبدو هذه الوضعية مرضية عموما لكن ينبغي أن لا ننام على مأمن قد يكون خادعا و يجب أن لا ننقاد لهجوم عسكري قد يوقظ تطرف هذه القبائل. لكن يتحتم أن نعمل أثناء محادثاتنا مع زعماء هذه القبائل العربية على التأكد من استسلامهم و أن نبدي لهم بأساليب سلمية امتلاكنا لسلاح ذا قوة فائقة.
الوثيقة الثانية 1908م :
في 17 نوفمبر حضر إلى انيورو ممثلو محمد المختار ولد محمد محمود شيخ مشظوف، يقودهم احميدو، الأخ الثاني لرئيسهم، بكامل الصلاحيات. حمل المبعوث معه أمارات الصداقة و الرغبة في استرجاع الروابط الأمنية التي كانت بيننا معهم من قبل. و كانت الضريبة المفروضة على مشظوف تبلغ 300 ثور، و 80 جمل و 11 حصان من سلالة جيدة. و باشرت لجنة المعاينة الماشية المذكورة و قبلتها كدفع. فأمرت الإدارة في الساحل مباشرة برفع المحظور الذي كان يقع على قبيلة مشظوف و السماح لهم بدخول أراضينا وفقا للشروط الطبيعية المفروضة على البدو الرحل عامة
كان لاستسلام محمد المختار ولد محمد محمود وقع على استسلام لقلال الذين عملوا تأخير الأجل الممنوح لهم كما حاولوا الحصول على شروط استسلام أفضل من الإداري گومبو و كذلك من المقيم في كيفه أي حاكم كيفة.
رئيس أولاد أحمد، سيدي ولد الغوث حاول مع محمد المختار ولد محمد محمود رئس مشظوف تأجيل استسلامه حتى عودة الشيخ ماء العينين الذي كان يُنتظر أن يعود من المغرب بكثير من المحاربين و بأسلحة متطورة. و بما أن جهوده باءت بالفشل و أمام موقف مشظوف و لكي لا تبقى قبيلة لقلال معزولة بادرت إلى تسديد الأتاوة (الضريبة). فحضر المدعو أحمد طالب ولد اخليفة، ابن عم الرئيس العام للقبيلة، إلى انيورو ب 100 من الإبل التي تمثل الجزأ الأول من الضريبة الحيوانية المدفوعة، و المتبقي يجب دفعه في أجل قريب.
الوثيقة الثالثة 1908م :
إرسال الدوريات الأمنية شغل السنوات الموالية ردا على الغارات و الحملات، و كذلك قمنا بحملات عقابية بهدف استسلام القبائل في هذا الجزء من موريتانيا و لإعطاء نفس لحامية كيفه و لا يكاد يوجد شهر بدون معارك تزد من مهارة الفرق في الحامية 6 تحت امرة النقيب مانجو و الفرقة المتنقلة التي يقودها الملازم باكيت، و من هذه المعارك يمكن أن نحصي ؛
أولا ؛ معركة كيفة 17 نوفمبر 1908 ضد لقلال التي خلفت 101 قتيلا و كانت خسارتنا فيها 4 من الرماة و 4 جرحى.
الوثيقة الرابعة :
حادثة البيظ (في 4 مارس 1909): التي وقعت بعد قطع 235 كلم في مسار سريع بلغ 4 أيام حيث قام النقيب مانجو على رأس فرقة من 50 رجلا من الرماة مع وحدة للرشاشة بعد ما تمكن من ربط الاتصال مع الفرقة المتنقلة للضابط أرنو معززا بمجموعة من البيظان الموالين “كوميات” فتمكن من تكبيد لقلال درسا قاسية. ثم إن الحامية التاسعة لنيورو أرسلت تعزيزات إلى كيفه تضم 50 من الرماة يقودهم الملازم اكلوب الذي سيشارك لمدة 5 أشهر في عمليات متفرقة قامت بها دائرة كيفة
الوثيقة الخامسة 1909 :
الوالي الفرنسي العام بسينلوي هاتف باريس بخبر مفاده أن الرائد مونجو حاكم مدينة كيفه الذي كان يقود كتيبة من الجمالة قد دخل فجأة يوم 11 مارس 1909 مخيما من قبيلة الأقلال حيث توجد مجموعة من رجال المقاومة الوطنية فوقعت معركة استشهد خلالها أربعون من الحي المذكور، وقد وجد الرائد عند بعض الحي رسالة من الشيخ ماء العينين تحث قبيلة لقلال على الجهاد، وفي 20 من نفس الشهر أرغم الرائد مانجو حيا من الأقلال يناهز ألف خيمة على النزول قرب مكاتب الإدارة في “حامية كيفة” وجعلهم تحت رقابة الجمالة وضرب عليهم حصارا محكما.
كما توجد حسب التقرير- مجموعة مسلحة من المقاومين تزيد على 150، مسلحة ببنادق سريعة الطلقات لم يستسلموا، وكانوا قد انسحبوا قبل الحصار واشتبكوا مع مفرزة من جيش المستعمر، وأن الفرنسيين ينوون إخضاعهم وربما تم ذلك بدون خسائر تذكر كما تذكر الجريدة.
الوثيقة السادسة 1909م :
لم تقم قبيلة لقلال بأية مبادرة جادة لاستعادة السلم على الرغم من الهزيمة التي منيت بها في 17 نوفمبر المنصرم.غير أن موفدين عن هذه القبيلة تقدم إلى المقيم بكيفه أي حاكم كيفة في يناير لإجراء مباحثات. و قد لاحظنا أنه لا تبدو على هذين الموفدين أي مؤشرات على مأمورية محددة و يكون بذلك هدفهم هو جس النبض للتحقق من وضعيتنا الحالية. بالمقابل فإن سلسة الاعتداءات المتكررة لهذه القبيلة زادت من سوء أوضاع جديدة و كرست هشاشة أوضاع موالينا البيظان. فكان من اللازم وضع حد لهذه الوضعية التي تفاقم الإخلال بالحالة العامة وتهدد بفقدان ميزات الوضعيات المكتسبة. و بالتالي فإن تعليمات صدرت من الوالي اكلوزل إلى المقيم في كيفه من أجل فعل قوي و حاسم ضد قبيلة لقلال. و بدأت العمليات في ال 7 من مارس لمّا كانت الظروف مواتية تحت إمرة النقيب مانجو بوتيرة فائقة و دقة عالية. فحضر زعيم قبيلة لقلال إلى البيظ حيث تستقر قطعان مواشينا ليقدم استسلام قبيلته الكامل.
هذا الاستسلام عاد الآن فعليا و لم يبقى إلا تحديد طريقة التنفيذ للشروط المحدد آنفا في تقريري و التي قبلها المعنيون برمتها
و على الرغم من أن فخذا من هذه القبيلة لا يزال معاديا و هو الذي يقع تحت إمرة سيدي ولد الغوث الذي امتنع عن الإلتحاق بهذا المسار الحكيم “لم يستسلم”، فإن عمليات الشرطة النشطة على حدودنا الساحلية تعتبر في الوقت الحالي منتهية
الوثيقة السابعة 1910م :
و هكذا اتضحت الوضعية شيئا فشيئا إلى حد أنه لم يبق أمامنا في بداية السنة إلا سيدي ولد الغوث و جماعته قاطنين الفلاة، فكانوا يحافظون في الساحل على جو من الفوضى وعدم الاستقرار ، و قد تعززوا بفرق ولد عيده، المعارض الموريتاني الذي يجوب البلاد بحثا عن مغامرات في كامل الصحراءفشكلوا تحالفا قويا في وسط البلاد.وتم تحرير مدينة أعيون العتروس حيث أصبحت خارج سيطرة القوات الفرنسية، وكانوا يشنون الغارات على القوافل القادمة من تيشيت و السودان الفرنسي
فأدى ذلك إلى بقاء سكان الساحل في مراعينا مدة أطول من ما هو معهود.
و بما أن حاميتنا كانت عاجزة عن إبعاد هؤلاء المقاتلين فلم يكن أمامنا إلا سياسة نقدر أنها كفيلة بالقضاء عليهم و تتشكل من :
1. إضعاف و عزل سيدي ولد الغوث
2. دفع قبيلة (…) ضده و هي التي بقوتها تتمكن من أن تحل محلنا في استتباب الأمن في الساحل
في السياق الأول حرص حاكم كيفة بشكل مكثف على عدم قبول أي تواطؤ من لقلال المقيمين معنا مع الذين بقوا أوفياء لسيدي ولد الغوث و كذلك منعهم من تزويدهم بالجنود و إلا فإنهم سيعتبرون معاديين و يفقدون صفة الاستسلام. ومن المؤكد أن هدنتنا العسكرية و العلاقات التي حافظ عليها لقلال الموجودين في حمايتنا في كيفه مع لقلال المحاربين كل ذلك ترك انطباعا بالتردد، من جهة أخرى كان سيدي ولد الغوث يستفيد من الوضعية بمهارة حيث يروج القول بأنه ليست لنا عليه مآخذ لأنه في حوار معنا في كيفه. و لكي نقطع هذه الأقاويل و ندفع (قبيلة…) إلى عمل شيء ما. تم الإعلان أن السيد سيدي ولد الغوث لا يزال معاديا لم يستسلم. ثم تم استدعاء زعيم مشظوف إلى كمبو بذريعة عرضه لرغبته في استعادة ماله المنهوب من طرف لقلال. و خلال هذه المحادثات التي أجراها معه حاكم الدائرة عمل الأخير على طمأنته… و أمره بالذهاب إلى كيفه لاسترجاع الأموال المنهوبة من طرف لقلال. و لكي لا نترك لديه شك قمنا ببعث دورية أمنية تجوب الحدود تتبع فلول سيدي ولد الغوث التي ابتعدت صوب الشمال..
الوثيقة الثامنة 1910م
ومع ذلك لا تزال مجموعات تجوب البلاد مع سيدي ولد الغوث، زعيمهم الذي لا يقهر ورئيس القبيلة المستعصي، إن خطورة وجودهم والخطر الذي يتعرضون له من خلال نهب الحاميات الفرنسية سيؤدي إلى تفكك نواة المتمردين بشكل تدريجي و من الواضح أنه يتعين على هذه المجموعة القبول بشروطنا و إلا مغادرة البلاد. و قد أبلغ سيدي ولد الغوث أن ضريبة الاستسلام ستضاعف له إذا لم يتقدم إلى المقيم في كيفه في أجل أقصاه 12 مارس 1910 كآخر أجل
الوثيقة التاسعة 1911م :
موريتانيا 1911 – لقد صار الوضع جيدا في موريتانيا. إن عهدا من السلم و الأمن أعقب بشكل نهائي فترة القهر لأنه لم تعد توجد إلا عمليات نهب صغيرة تحدث بين الفينة و الأخرى في حدود منعزلة و التي تفتقر للتنسيق و التي تتمكن قواتنا من القضاء عليها بسهولة
و مع ملاحظتنا تناقص وتيرة الغارات للمحاربين يتحتم علينا لفترة قد تطول مراقبة و طرد هؤلاء.
هذا هو عمل فرقنا المتنقلة التي نود أن نضم إليها عناصر من حلفائنا البيظان، وفي أعالي السنغال و النيجر قمنا بفرض الأمن لشعوبنا و هي التي أتتنا لحمايتها. و هكذا أجرينا دورية أمنية بكل نجاح في يونيو و أغشت على حدودنا الساحلية
و من ناحيتهم قامت قبائل الساحل مدفوعة بتواجد قواتنا و يقظتها ، و على الأخص قبيلة مشظوف بالوقوف بشدة ضد عمل هؤلاء الثوار الذين أبعدناهم من أزواد و طردناهم من موريتانيا باحتلالنا لتكانت. فقد انسحبوا إلى الحوض حيث يمارسون نهبهم على الحاميات الفرنسية في تيشيت و وادان. و رئيس هذه الفرقة الرئسي هو سيدي ولد الغوث، رئيس قبيلة لقلال.
وهناك معارك عديدة قادها البطل المجاهد سيدي ولد الغوث بعد الحملة العسكرية التي شنها المستعمر الفرنسي على قبيلة لقلال بقيادة النقيب مانحو، والتي كان من نتائجها اعلان قبيلة لقلال مكاتبة الفرنسيين، سنة 1909م، ومن أهم هذه المعارك التي قادها المجاهد سيدي ولد الغوث ،بعد المكاتبة، من 1910 الى 1913 :
معارك كيفة والحوضين سنة 1910 بالتحالف مع البطل المجاهد الامير سيد احمد ولد احمد عيدة.(وقد اشرنا الى ذلك في الوثيقة السابقة – الوثيقة السابعة 1910م)
معركة أجار لعصابة في 02 مايو سنة 1911 في ولاية لعصابة
معركة كيفة الخالدة التي دارت رحاها خلال شهر سبتمبر 1911م حيث قامت كوكبة من المجاهدين بقيادة البطل المجاهد سيدي ولد الغوث بمحاصرة قوافل التموين الفرنسية القادمة من تجكجة والمتجهة إلى حامية كيفة، وقد دارت معركة قوية وشرسة تمكنت المقاومة خلالها من سحق الكتيبة الفرنسية والأستلاء علي الإمدادات الفرنسية، وكميات من البارود والذخيرة وأصبحت حامية كيفة أمام حصار حقيقي و تحت ضغط وتهديد من قبل رجال المقاومة ، وهذه المعلومات وفقا لماجاء في الوثيقة الفرنسية، وهي بحوزتنا. أما الرواية الشفهية فتقول بأن الجيش الفرنسي تكبد خسائرا فادحة وأنه تم القضاء على المفرزة التي كانت تحرس القوافل، وغنم المجاهدون كمية من الأسلحة، وقام المستعمر بحملة قمع شرسة ضد المقاومة…
معركة أجحافية في 12 مايو 1911 بولاية لعصابة، شارك فيها المجاهد سيدي ولد الغوث وإبنه البطل محمد محمود ، شاركا في القيادة الميدانية للمعركة والإعداد لها،بالتحالف مع محمد محمود ولد سيدي لكحل ولد احجور، وقد قتل فيها العديد من الفرنسيين من بينهم الملازم الفرنسي ديماسييه، وغنم المجاهدون الكثير من الأسلحة والجمال.
معركة أجار ولد الغوث في 21 أكتوبر 1912م
معركة بحيرة فاكيبين 1913، وهي تبعد عن مدينة ولاته 200 كم، تقريبا، بقيادة المجاهد سيدي ولد الغوث القلاوي – حسب الوثائق الفرنسية.
وهناك في أقصي منطقة ظهر النعمة و ولاته يوجد موضع يسمي “حاذ ولد الغوث” نسبة الي المجاهد سيدي ولد الغوث رحمه الله الذي رابط في تلك المنطقة مجاهدا ضد الأحتلال الفرنسي،و هذا المكان هو الذي ضرب فيه المجاهد سيدي ولد الغوث خيمته وكانت بمثابة قاعدة إنطلاق لشن هجماته على القوات الفرنسية المتمركزة هناك. “المكان يقع في ولاية الحوض الشرقي” وقد أشتهر بكثرة أشجار الحاذ الذي يعد من أجود مراعي الإبل.
كدية ولد الغوث :
تقع كدية ولد الغوث شمال مدينة كيفة في منطقة تماس بين ولايتي لعصابة وتكانت وقد أتخذ المجاهد سيدي ولد الغوث ورفاقه من تلك الجبال قواعد عسكرية لشن هجماتهم على مراكز المستعمر في لعصابة وتكانت، وظلوا يتنقلون في المنطقة بين هضاب تكانت وسلسلة لعصابة، كما شن حرب عصابات ضد الفرنسيين في جبال آفله، وفي أقصى منطقة ظهر النعمة و ولاتة، في مكان يسمى حاذ ولد الغوث ..
هذا وقد شاركت قبيلة الأقلال بقيادة البطل المجاهد سيدي ولد الغوث في أنتفاضة 1906م، خاصة في معارك تكانت والعصابة وأفله، وبصورة أخص في معركتي النيملان وتجكجة، وكذلك في عمليات أهل الكدية التي أستمرت لمدة طويلة،
توفي القائد المجاهد سيدي ولد الغوث سنة 1924م. رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته ووالدينا وجميع موتى المسلمين.
ومن خلال ماجاء في الروايات الشفهية المتواترة والمنقولة من كبار السن، وما وثقه بعض المؤرخين الثقات، وما كتبته اللجنة المكلفة بتخليد بطولات المقاومة الوطنية فإن قبيلة لقلال بقيادة البطل المجاهد سيدي ولد الغوث وابنه محمد محمود والجيش الكبير الذي كان معهما من رجال المقاومة قد إنتصروا على جيوش العدو في الكثير من المعارك وكبدوا الأستعمار الفرنسي خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، خاصة في معارك كيفة، والبيظ، وكدية ولد الغوث في لعصابة، وجبال أفله، وعلب أجمل، وحاذ ولد الغوث في أقصي منطقة ظهر النعمة و ولاته… وغيرهم
ملاحظة : ينبغي أن لا ننسى أن الأستعمار كتب التاريخ لصالحه، ولا نستغرب وصف الفرنسيون للأحداث بطريقتهم الخاصة والمنحازة، وتحاملهم على المجهادين وو صفهم لهم بأوصاف غير لائقة وعدم ذكرهم للأنتصارات التي حققتها المقاومة، رغم أن أهل المنطقة شهدوا بتلك الأنتصارات ونقلتها الروايات الشفهيه عن كبار السن والثقات، ودُونت في الكثير من المواقع …..
كما انبه هنا الى ان جميع الوثائق التي تحدثنا عنها موجودة بحوزتنا، وهي بالصوت والصورة
المصادر :
Histoire_de_ la_ mauritanie
جامعة محمد خيضر بسكرة
الاستعمار الفرنسي في موريتانيا 1903 – 1960
X.Coppolani : Rapport D´ensemble sur Ma Mission au Soudan Francaise 1er Partie-Chez les Maurs- ,Imprimerie F.Leve, Paris,1899,p07
Arnaud Robert Randau : Un corse d’Algérie chez les hommes bleus
Xavier Coppolani, Le pacificateur -, Alger, 1949, p43
الرائد افرير جان.موريتانيا 1903 – 1911م
قصص مغامرات وجولات وحروب في بلاد البيضان
الرائد جلييه كتاب: التوغل في موريتانيا
commandant breveté gillier 1926 – la pénétration en mauritanie
المكتبة الوطنية الفرنسية
بقلم الباحث سيدي ولد الشيخ ولد محمد محمود ولد الغوث