تجربة الدكتور مولاي الحسن زيدان عبد المالك في الإدارة: دروس في أبجديات الريادة
من أدمن في عقود بائدة تجرع مرارات الفساد و تحمل بهوادة بطش سوء التسيير الذي لا يرقب في مورد عام إللا ولا ذمة، وظن بغلبة اليأس وسوء الأحوال ألا منفذ ولا مفزع من بطن حوت الفساد، هو نفسه من قد لا تسعفه البتة أحاسيسه وانطباعاته الجامدة ليكتب عن الاستثناء و النقيض لهذا الفساد إن وقع، فبأي قاموس سيكتب عن هذا الاستثناء، وأي مفردات سيتخير, و أي مفاهيم يتصدى بها لاختبار الوصف و التعبير, فلا أسوأ من انسداد اللفظ مدفوعا بتأخر في الحدوس الحسية وانكفاء المفردة على نفسها، وهو انكفاء يستمد شرعيته بمتوالية منطقية لركود حسي ومعرفي بات مرتبكا قاصرا في منهجية أدواته عن استيعاب ذلك المأمول المعجز, المؤجل ردحا من الزمن حال تحققه، وعن ممارسة المواكبة اللغوية اللائقة في فعل الصياغة المفاهيمية لوصفه.
وليس بمنئا عن ذلك التأخر في المواكبة يقف الرأي العام، حيث يتأكد بنظر تشريحي مع قليل فطنة إلى جسم الرأي العام أن حالة تلبسته من الانسياق المنهمك – في تتبع شتى صغائر التجاذبات المصطنعة، المروية بلعاب التفاهة، المسوقة بخوارزميات الابتذال- تأسس لوعي اجتزائي، انزوائي، بنكهة اقصائية مزاجية. وعي يراد له الارتحال والاشاحة بعيدا بإدراكه عن أحاديث الريادة والرواد من أبناء هذا الوطن و يراد له غمطهم حقهم في شيء من الانصاف، والرواد الاداريون الافذاذ ممن يراكمون الإنجازات في صمت هم أصحاب الصف الأول من ضحايا هذا الوعي الانتقائي الزائف, فعلى كثرة التجارب الإدارية للبرامج والمشاريع الوطنية ظلت دوما تلك الريادية منها تندرج على التأبيد وحيدة مستوحشة بندرتها في دائرة استثناء شديدة الضيق كما هو الحال بالنسبة لتجربة الدكتور مولاي الحسن زيدان عبد المالك في تجربته الإدارية لمشروع دعم شبكات الأمان الاجتماعي, وهي تجربة لامعة حرية بتنمية فهم ايجابي مشترك حولها نظير ما تنحته بنهج متعدد الأبعاد من مفاهيم حديثة في معجم الإنجاز و الانفاذ و التسيير في النموذج الإداري الموريتاني.
موضوعيا، لا تتطلب عملية تقييم نتائج وآثار المشاريع التنموية الوطنية التي تعاقبت مختلف الحكومات السابقة على اطلاقها كثير جهد وعناء فعلى اختلافها من حيث منطق ومناطق التدخل، كانت الاثار والنتائج سواء بسواء على الدوام هزيلة، وقشورية، وهي في الغالب الأعم قشورية وهزالة لا يماري أخرق متحيز أحرى بعاقل منصف في كونها تعزى على نحو أولي لسوء التسيير والتبديد القصدي للموارد سبقا من وراء إصرار. وتستذكر المشاريع الوطنية في جلها وتترمز في الذاكرة الجماعية إلى عهد قريب بوصفها كانت أسفا مجرد يافطات تعريفية مغروزة بادعاء فاضح على جنبات الطرق وعند مداخل المدن، وحفلات إطلاق كرنفالية لتوقيع اتفاقيات تمويل و تعاون تتبع بقوافل من مركبات براقة تجوب القرى الفقيرة فاتكة دونما رحمة بصبر معدمين يرون انعكاس اشباحهم النحيلة على مراياها لتتمخض تلكم الجولات تارة عن قبضة يد من الأسمدة الزراعية المهترئة لفائدة مجموعة من المزارعين، وتارة يأتي المخاض العسير في شكل سلال غذائية قلما تسلم من داء انتهاء الصلاحية, و في أحيان أخرى تأتي حصيلة المشروع بعد انتظار اللاهثين المتعبين مجسدة في حملات تحسيس توزع مطويات برسوم رديئة عن العنف لصالح من بالكاد يسدون رمقهم, ناهيك عن كونها – أي المشاريع – فرصة اثراء شخصي لا يفوتها فاسد معلوم الفساد, لكننا نجد في مشروع دعم شبكات الأمان الاجتماعي المدار من قبل الدكتور مولاي الحسن زيدان مستجمع الاضداد و النقائض مع كل تلكم الآفات، و الكثير من العزاء عما سبق. فمشروع دعم شبكات الأمان الاجتماعي بمكوناته الرئيسية الثلاثة (السجل الاجتماعي, البرنامج الوطني للتحويلات الاجتماعية “تكافل”, والمعونة ) و الذي تضافرت له ثلاثية : الأهداف, الموارد, ومناطق التدخل جاعلة منه اضخم مشروع في التاريخ الوطني لحد الان, يستهدف في نسخته الثانية – من بعد أولى لاقت إشادة دولية- برؤية واعدة واضحة بعيدة تمام البعد عن حمى الصرف و الانفاق الطائش الاستثمار الشفاف المستديم في الرأسمال البشري عبر تقديم حزمة خدمات و مزايا تحفيزية من بينها تحويلات نقدية لفائدة مئة ألف أسرة الأكثر فقرا على عموم التراب الوطني في امتداد زمني لخمسة أعوام. و نحن لا يتزعزع يقيننا بأدنى شك أن هذا المشروع كان ليتحول كسابقيه – ولن تعدم في الخسة حيلة لذلك – إلى قصعة تدغشها طفيليات الفساد و تستسمن منها أرضة القضم و النهب لولا النموذج الإداري الرشيد المتين لمنسق المشروع: الدكتور مولاي الحسن زيدان عبد المالك, ذلك أننا و لأول مرة – فيما انتهت إليه مضارب علمنا – نجد أنفسنا بصدد تجربة توجهها مفردات الانضباط, و الالتزام, وتشكل الشفافية والنزاهة فيها أيادي بيضاء تشق بعناية و اخلاص طرق إيصال المعونات المالية إلى أصحابها من الأسر المستفيدة من المشروع دون عناء يتجشمونه, أو نقص, أو كمد, أو أدنى اختلاس يشتكونه.
و نحن إذ نحاول توخي الموضوعية الصرفة فيما نسطر والتخفف ما وسعنا الجهد من الكتابة بنفس غريس في التحامل و الحنق وهو أسلوب يريد بعض الافاضل بباطل من وراء حق جعله لسان صدق و برهان موضوعية، فإننا بلا ريب سنجد في أصوات المهمشين الخافتة عونا و دليلا لنا في تقييم موضوعية أحكامنا, فلئن كان حيز التدخل الجغرافي لهذا المشروع يشمل معظم القرى و البلدات الريفية بل و حتى الأوساط الحضرية في كافة ربوع الوطن فإن القصص الإنسانية الملهمة التي يغرس بذرتها – وهي أغزر من أن تحصى – وسط الاسر المستفيدة منه لا تلبث أن تقابلك تباعا لآباء, وربات بيوت بل و حتى صبية و يافعين يحدثونك بصدق أسلوبهم عن أعجوبة لم يألفوها و لم تفد الركبان على غابر اسلافهم بمثلها نظيرا, فمن وجه سيحدثونك بأصوات صادحة وبفخر يرقرق جفن العين عن أموال تصلهم فصليا بانتظام غير منقوصة, دون مكرمة تستوجب منا ولا صدقة يردفها أذى, ودونما زحام كلبي اقتتالي يجهز على بقايا فتات انسانيتهم بين زفرات العنابر المغبرة أو تحت أشعة الشمس اللاهبة ودون مساومة تصويتية و ذممية تستنضب مخزون كرامتهم حتى القاع, ومن وجه آخر سيحدثونك دونما غضاضة عن أطقم بشرية ميدانية و مركزية تلين و تتلطف إليهم القول في غير تكلف موسمي مقيت عند انبراء احدهم لطلب استفسار أو تقديم تظلم.
صحيح أن حفظ كرامة الانسان، ورأب صدوع التهميش في حياة سكان القاع المنحوتة أجسادهم جوعا, المشيعة آمالهم صبرا في لحود الغدر, هو أمر تمحضت له جهود المندوبية العامة تآزر منذ ساعات انطلاقها الأولى بتوجيهات سامية واعية رشيدة من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني, لكن الموضوعية بما تقتضيه في أقل درجاتها من تحييد للذات، تملي ضميرا أن نسطر في حق الدكتور مولاي الحسن زيدان اعترافا بالبراعة في صياغة وإرساء نموذج تسييري وطني متفرد الريادة جعل به من مشروع دعم شبكات الأمان الاجتماعي الوجه المشرق لأشغال المندوبية العامة تآزر خاصة ولبرنامج فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني عامة.
الجديد أيضا بشأن هذا المشروع هو حالة الاستنفار الدائم التي تطبع أشغاله وسير الإجراءات في أروقته في تفاعل ناضج مع المواطن وتناغم تام و تجسيد منسجم مع سياسة وطنية انتهجت تقريب الإدارة من المواطن شعار لها, ومنذ استلامه لمهامه كمنسق وطني، واصل الدكتور مولاي الحسن زيدان عبد المالك – بتواتر الشهادات من الثقات -العمل الدؤوب حيث حول على ما يبدو مشروع دعم شبكات الأمان الاجتماعي لورشة عمل متتابع، وهذا يظهر أوضح ما يظهر في مؤشرات الإنجاز الآخذة في القفز بتسارع، فخلال عام واحد فقط ارتفع عدد مقاطعات تدخل البرنامج بتسع وعشرين مقاطعة ضمن تسع ولايات جديدة, و تضاعف عدد الأسر المستفيدة تبعا لذلك بما يناهز الأربعين ألف أسرة و العدد ماض في التزايد, فيما توالت عمليات انتاج وطباعة سلاسل بطاقات التأمين الصحي لصالح الالاف من أفراد الأسر المستفيدة دون توقف.
يتأكد ببداهة للمتتبع الناضج لمسار الإدارة الوطنية أن الدكتور عبد المالك يخوض في صمت إنجازه-كقلة آخرين -معركة ضارية ضد صورة ما، ولعلها برجحان تمليه الدلائل والقرائن هي تلك الصورة المحفورة تراكميا بنمطية متساوقة في وجدان الموريتاني عن الادارة. وجدان يستبطن بمرارة صورة الإداري الراتع في مراعي الفواتير المضخمة، وعقود العمالة الوهمية، فضلا عن زبونية جيف الصفقات العمومية. وعكس تيار كل تلك الترسبات المؤلمة كرس الدكتور عبد المالك جهوده، فغلق الأبواب وسد الثلم أمام جحافل الفساد، وانتحل لنفسه ملة إدارية تراتيلها النزاهة والإنجاز وتجافى بنهجه الإداري عن سلعنة الإدارة.
ترى أي تراتيب قدر وصروف دهر مباركة قيضت لهذ المشروع أمر رشد لتأتي بالدكتور مولاي الحسن زيدان عبد المالك منسقا وطنيا على رأس هرمه فيجنبه برشده دغائل البطش والفساد وينزهه عن رجس النهب والاختلاس؟ وما ترياق النجاح الذي أتقن الدكتور مولاي الحسن زيدان مقاديره حتى تسنى له صعود هذا المرتقى الوعر؟ أهي مركومة خبرات وتجارب مهنية فحسب؟ وهذا مستبعد غير منفي قطعا، بيد أنه غير كاف وحده لرجحان كفة هذا الإداري الفذ، فلا يكفي الحكم بمنطق التجربة والخبرة فقط ذلك أن السير الذاتية لمختلف منسقي المشاريع الوطنية تغص وتتدرع بترسانة من الخبرات ولا يخفى ما بين مضمون تلك السير وواقع أصحابها في التسيير من عثرات تتلوها آفات, أم تراها مصفوفة مبادئ وقيم يدين بها الرجل، وهذه بالقطع لا بالظن أجدر ألا تستبعد في عمق صبغتها وحسن إبعادها لتجربة الرجل عن كل غي, أم هي ظروف النشأة و الترعرع إذ أن الدكتور عبد المالك ينحدر سلاليا من وسط اجتماعي ينقل الثقات عنه امتلاك إرث متراكم في تدبير الشأن العام والسيادة والقيادة.
أيا تكن الإجابة على تلكم الأسئلة المحورية، فالأهمية البالغة الآن هي لاستثمار هذا النموذج الإداري -وطنيا-على أوسع نطاق.