مع بدايات عملي بقناة الجزيرة واجهتُ مشكلة في التواصل. فمعظم الزملاء ينادونني “محمد فال”. فقد سبقني – زمنا ومكانةً- أخي محمد فال ولد بو خوصة، ورسّخ اسمَه لدى موظفي القناة ومشاهديها، ولم يترك في الأذهان متسعا لـفالٍ آخر.
وعند أول عودة لي من جنوب إفريقيا دعاني ضاحكا وقال: “عليك التنازل عن هذا الاسم. لا بد من التخلي عن “فال” لرفع اللبس. فقلت له إني جاهز، لكن الفرصة ضاعت. ثم تعززت المعضلة فأصبح الناس لا يفرقون بيننا غالبا. فكلنا صينيون متشابهون في نظر أحبتنا المشارقة. ومن يميز بين مورتانييْن يتشابهان في الاسم والوظيفية والخلفية الثقافية والاجتماعية؟.
وتطور الأمر حتى أصبحت الرسائل الإلكترونية تختلط. فتأتيه رسائلي وتأيني رسائله. ثم التقينا وعقدنا اجتماعا طارئا لعلاج الأمر، وانفض اللقاء عن اتفاق. علينا التعايش مع الأمر.
كل منا يتقمص شخصيةَ الآخر ، ولا ينبه محدثَه الذي يعامله باعتباه فالا الآخر.
وهكذا أصبح العبد الفقير يستقبل التهائني على تَجواله في العالم مراسلا باللغتين العربية والإنكلزية، وعلى تقاريره العربية الخالدة لحظة سقوط بغداد. فلا أزيد المهنئَ على الابستام والشكر. وإذا سأل أسئلة محددةً أجبته أجوبة عامة تحرجا من الانكشاف، والانتحال.
وصار الأستاذ محمد فال يقوم بالاستراتيجية عينها. فيستبقل الأسئلة المرتبطة بصاحبكم. ومن طرائف ما وقع له أنه كان في طريقه إلى منطقة الأبيض في السودان. وقُبيل دخوله إليها ظهر خبر عاجل على القناة ينبئ عن خروجي من المعتقل في ليبيا. وكان مجموعة من الشبان السودانيين متحلقين يشاهدون الخبر. وبعد دقائق دخل عليهم محمد فال فقفزوا من مقاعدهم بعيون جاحظة، وألسنة متعثرة. كيف وصلت؟ ألم تخرج قبل دقائق؟ ما هذا الجنون؟
فتصرف محمد فال طبقا للاتفاق. وشرح لهم ضاحكا أن “الشناقيط” – كما ينطقها السودانيون- أصحاب أحوال وكرامات. وأن الريح تأخذ أحدَهم من أرض وترميه في أخرى.
وقد تفاقمت المعضلة خلال السنوات الأخيرة بعد دخول فاليْن آخرين للشبكة. لكن اللبس معهما –حتى الآن- ما زال مقتصرا على الرسائل الإلكترونية، لكنهما يشكلان خطرا مستقبليا. وصار محمد فال يشير لأحدهما (الشيخ محمد فال) قائلا: هذا يعرف عني كل شيء… فمعظم رسائلي تذهب إليه.”
أما أنا فكنت جالسا في لحظة أنس مستمتع بإجازتي فرن هاتفي. وكانت السيدة المسؤولة عن الوردية على الخط: “أحمد فال وينك؟ لقد تأخرت عن العمل؟”
وبعد أخذ ورد، وإيضاح واستيضاح، تبين أنها تتحدث عن فالٍ آخر.. عن صديقنا الدحة ولد مبيريك.
وهذا يعني أننا بحاجة لمؤتمر جديد يحضره الأربعة…
صباحا طيبا
أحمد فال ولد الدين