في حفرة رملية على التل بين اربع تيدوم وتيارت البير على بعد 7 كلم شمال غربي قرية ساني ولد قائل الأبيات التالية في سبعينيات القرن الماضي حيث كانت المنطقة تكسوها الخضرة وتحفّها ينابيع المياه الجارية في إريجي أكبان والبربارة وآرويجي ولخويمه بانضاوضة وكذلك في ساني.
لم يكن التصحر قد عرف طريقه إلى المنطقة إذ لايوجد فيها من الكثبان الرملية إلّا ثلاث منعزلة تمثل تيجانا ذهبية على أعلا تلال المنطقة الخضراء في ثلاثة أرباع السنة.
كانت كثبان زيرت البل ولغريد واغريدباط تمثل منتزهات يحنّ إليها سكان المنطقة للجلوس على رمالها الذهبيةالناعمة وتناول أطراف الحديث أو تكرار الألواح أو الأشوار كلّ يترنّم بما يحلو له.
لم تكن المنطقة مأهولة بالسكان حيث يوجد فقط ثلاث مخيمات(فركَان) كان مخيّم الشاعر أحدها وكانت المخيمات تنزل غالبا على التلال الرملية أو قريبا منها خوفا من الحرائق واتقاء لأشواك بعض النباتات المنتشرة هناك.
كانت الأرض كما قلت تكسوها الأعشاب الخضرى وتنتشر فيها الأشجار المثمرة تحدها من الغرب جبال لعصابه واتويمرات اسبوعه ومن الجنوب وادي الوذان ومن الشرق لمسيله وفي الشمال تمتد منطقة القظابه مرسلة مراحل لكسيبه في رحلتي الشتاء والصيف متجهين شتاء إلى الجنوب.
وفي بداية الخريف يعودون إلى الشمال مرصعين خضرة المنطقة ببياض الخيام والنوق والأغنام في لوحة تسلب الألباب قبل أن يلفّها ظلام الليل لتحلّ محلّها لوحة صوتية تتناسق فيها أصوات الجمال والتيوس مع أصوات الضباع والذئاب والطيور والطبول.
كانت الأرض خصبة بمعنى الكلمة وكل طالب قوت من إنسان أ حيوان يجد ما يريد بكل سهولة.
بعد نأي وطول فراق يعود الشاعر إلى المنطقة وقد تحول خصبها جدبا وغاباتها رمالا ومخيماتها قرى ثابتة وخلت من كل أنواع الحياة البرية التي كانت تنعم بها لم يجد الشاعر هنا إلّا أن يقف على أعلى تلة بالمنطقة (زيرت البل) مستعرضا شريط الذكريات حيث يختلف الواقع كليا كما هو مخزن في الذاكرة عن المنطقة فيقول الشاعر محمدأحمد محمد محمود دحان في رائعته :
وقفت أريق الدمع على زيرة الإبل
فلاح ليَّ التاريخ من حيث قد أفل
فقال لسان الحال والدهر منصت
أتذكر هذي الأرض قلت له أجل
أأنسي ديار الأهل حول تلالها
أأنسى صعود المعز ناحية الجبل
أأنسى صياح الضأن حول صغارها
أماتذكر الخرفان ساعة تعتقل
أماتذكر المرحوم يحمل صيده
حبارى ونسرا أوذكورا من الحجل
أماتذكر الأطفال يرعون في الفلا
لجني الثمار اليانعات بلا خجل
أتذكر يوم الفتح عودة جالب
إلى الحي من كنكوصه يحمل ماحمل
فيا فرحة الأطفال يصبح عندهم
لباس وبسكيت وتنكَل كالعسل
أتذكر موت الصيف عودة حينا
وعاصفة هوجا وصيب ثم طل
ألم تسأل الضوضا وباسق نخلها
ألم تسأل الغريد تسأل بو الظلل
بكتك البواكي لا أظنك منصفي
أتحسبني أنسى بربك لا تقل
فماهو واقع وما هو وارد
وإن أنسَ لا أنسى منازلنا الأُول