أهلي يرفضون زوجي …. هاجس صاحب فتيات كثيرات في سن الزواج وجدن فرسان أحلامهن لكنهم ليسوا من قومياتهم أو قبائلهم عاشوا معهم قصص حب وغرام ، إلا أن معتقد المجتمع الموريتاني الذي تتحكم فيه عادات وتقاليد اجتماعية يطغى عليها التمييز العرقي والقبلي الراسخ منذ قرون من الزمن جعلت كثيرات ممن يبحثن عن الزواح يدركن أن قصصهم الغرامية ستبوء بالفشل حالما يتقدم لهن ممن لا يرى فيه أهلهن نفس المرتبة الاجتماعية او الكفاءة لهن.
كم من فتاة موريتانية عاشت على وقع تلاشي مغامراتها وتحطم أحلامها على صخرة الرقيب الأجتماعي الذي يعشعش فيه تقليدا راسخا يعتبر الزواج من فئات معينة او قبائل محددة “عيبا كبيرا” ومدعاة للمعرة وانحطاطا وخيانة للقيم العامة للمجتمع.
حسنية سيدة موريتانية تزوجت من خارج محيطها و ممن يعتبر لدى أهلها لا يرقى إلى مستواها الاجتماعي، فقاست مرارة الإزدراء والنعت بالدونية بل هجرها والدها وأخوتها وأبناء عمومتها … الحسنية بقيت متشبثة بالرجل الذي اختارته شريكا لحياتها ومع مرور الزمن تقبّل والدها أمر الواقع ثمّ قطع هجر إبنته، إلا أن أبناء عمومتها أحتفظوا بغضب دفين جعلهم يحاربونها حتى في عملها واستثمارها وصل إلى حد الإعتداء الجسدي عليها وتحطيم ممتلكاتها والشكاية منها لدى المحاكم و وصمها بالعار على القبيلة.
تقول حسنية في سردها لقصتها المؤلمة “قررت أن أتزوج ممن أخترته شريكا لحياتي و كونه ينحدر من خارج محيطي القبلي تسبب في رفض قبوله من والدي وقبيلتي لكن إخوتي لم تكن لهم مشكلة مع زواجي بهذا الرجل.
جرى عقد زواجي بحضور عمي كوكيل وهو أكبر من والدي … والدي هجرني لفترة طويلة وكذلك أبناء عمومتي متذرعين بزواجي من غريب على العشيرة حسب عاداتهم وتقاليدهم القديمة التي أصبحت متجاوزة في عصرنا هذا.
قبول زواج البنت ممن لا يرضى به الأهل في حالة إقدام الفتاة عليه يترتب عليه هجرها و نبذها فهي بذلك صارت من بناتهم المارقات.
حسنية تحكي عن معاناتها حين هجر أهلها و خاصة والدها “هجرني والدي لأكثر من سنتين و حين استيقن من إصراري على زوجي وقناعتي التامة به استسلم لأمر الواقع و قطع هجره لي.
أنا من قبيلة – تتابع حسنية – ترفض بشكل قاطع زواج بناتها من الغرباء لدونيتهم في النسب و الحسب عندهم، ولما قررت الزواج انفجر لغط كثير بين أبناء عمومتي وواجهت الكثير من المشاكل والمضايقات”.
المندوبة الجهوية للشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة السيدة صفية بنت هاشم أشارت إلى أنّ مثل هذه الحالات التي تكون فيها الفتاة متزوجة ممن أرادت من خارج القبيلة حاصلة ، و يهجرونها على إثر ذلك حتى أنها لا تستطيع زيارتهم خوفا على حياتها بعد ذلك و قد يصل الأمر عند بعض الأهالي إلى تهديد بناتهم بالقتل اللواتي تزوجن ممن لا يرضون به.
مما يقتضي الأمر وساطة في مثل هذه الحالات لتمكين الفتاة من زيارة أهلها والعودة إلى حضن أسرتها فينحل بعضها وديا بشكل نهائي وما لم يتسنّ حله وديا تتم إحالته إلى أروقة القضاء للنظر فيه وإصدار الحكم و الذي دائما ما يكون منصفا للضحية.
حالة حسنية من بين الحالات القليلة التي استطاع أصحابها تحدي واقع المجتمع ومرارة نظرته رغم سطوته وأحكامه إلا أن هنالك حالات كثيرة لم يتجرأ أهلها على البوح بها وبقيت دفينة في نفوسهم مجبرين تحت ضغط المخيلة الاجتماعية الظالمة على نسيانها، وأخرى كان الرفض لها بالمرصاد.
تقول المنسقة الجهوية للشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة السيدة صفية بنت هاشم في ما يخص إحصائيات مثل هذه الحالة المتوفرة لدى القطاع الذي تديره “عندنا على مستوى المندوبية الجهوية 448 حالة نزاع أسري من بينها 18 حالة مرتبطة بعدم قبول الأهل لزوج بناتهم ويأتي إلى المندوبية بنات عهد والد كل منهن وقت أن كانت في بطن أمها، وعندما تبلغ إحداهن سن الزواج تبحث أمها عن والدها وعندما تجده ويسأل عن من يتقدم لها وإذا كان ليس من وسطه الاجتماعي يرفض زواجها بحجة أنه ليس كفؤ لها وهو منذ ولادتها لا يعرف شيئا عنها… لا عن نفقتها ولا كسوتها … ويكون كل أمل أمها أن تزوجها ممن يكفلها ويصون عرضها.
في مثل هذه الحالات عندنا منظمة نكلفها بالبحث في حيثياتها ونستدعي الطرف الرافض ونسعى لإقناعه بطريقة ودية ومنهم من يقتنع ومنهم من يرفض وفي حالة الرفض نحيل الملف إلى القضاء ونقوم بمؤازرة الضحية عند القضاء”.
في مجتمع يدين بالكامل بالإسلام من الغريب أن تجد فيه هذه الطبقية ونظرة التعالي من قبائل على قبائل وقوميات على أخرى .. الإسلام الذي أعطى للمرأة حق اختيار من ترتاح له نفسها ليشاركها حياتها وهو ما ضمنته ونصت عليه الاتفاقيات والقوانين الدولية باعتباره أحد الحقوق الثابتة للمرأة.
السيد صمب ولد انجاي كاتب صحفي وخبير اجتماعي يتحدث في الموضوع “ظاهرة رفض فئات للزواج من فئات أخرى وقبائل من قبائل أخرى عادات جاهلية، فمجتمعنا تسيطر عليه عادات قبلية وجهوية وإثنية والبعض لا يرضى بزواج ابنته من غير قريب لها سواء كان في نفس سنها أم لا، وهل يناسبها في المستوى الثقافي والتعليمي وهل هو على مستوى أخلاقي وديني أم لا، المهم أنه قريبها.
والسؤال الذي يطرح نفسه من أين أتى الناس؟ هل فيهم من هم مصنوعون من ذهب وفضة وحديد وطين؟ أليس الناس من أصل واحد من آدم وحواء.
الشريعة الإسلامية لم تنص على الزواج بالقريبات بل شجعت الزواج بمن يرضى أهل المرأة دينه وخلقه مهما كان نسبه، ومن الأفضل التخلي عن هذه العادات والتقاليد الجاهلية وتزويج المرأة من أي أحد يتقدم لها إن كانت هي راضية بالزواج منه”..
هذا الواقع على مرارته وقسوته على الكثيرين يخلّف نتائج وخيمة داخل المجتمع وخللا بنيويا داخله كما أن ظاهرة رفض زواج البنات من خارج محيطهن يزيد من العنوسة والعزوف عن الزواج.
السيد ولد صمب انجاي كاتب صحفي
“حصر الزواج على الأقارب هو السبب الرئيسي في انتشار العنوسة في المجتمع وهو ما يؤدي إلى الإنحراف والجرائم والإغتصاب وزنى المحارم وانفجار الغريزة الإنثوية وهذا المنع مما أحل الله أمر خطير وكبت للفتاة ومصادرة لحقها في الزواج لا لشيء، فقط من أجل أن يأتيها قريبها للزواج بها والذي قد يطول انتظاره وفي الغالب لن يأتي.
و في مثل هذه الحالة تجعل كثيرا من الشباب يعيشون مرارة التمييز والحرمان فيخفون تحت ابتساماتهم قلوبا تعاني مرارة الغبن مسلوبة الحق في اختيار شريك الحياة مما يولد عندهم شعورا بالدونية ورغبة في الإنزواء بعيدا عن سطوة تقاليد وعادات المجتمع وما يخلف ذلك من آثار نفسية
العنف ضد المرأة هو سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يهدف إلى إخضاعها بالقوة وقد يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية بما في ذلك السب والشتم والضرب والقتل والاغتصاب والزواج بالإكراه وزاج القاصرات.
وهذا العنف له أسباب مختلفة منها ما هو ثقافي واجتماعي وبعض هذه الأسباب مرتبط بمخلفات الموقف الظالم للمرأة الضاربة جذوره في تاريخ البشرية، وهنالك أسباب أخرى حديثة كالبطالة وصعوبة المعيشة مما ينتج عنه تأخر
الزواج لدى الرجال وانتشار الطلاق .. كل هذه الأسباب ساعدت في ترسيخ التمييز ضد المرأة وممارسة كافة أشكال العنف عليها، وهذه الأسباب وغيرها جعلت دول العالم ومنها موريتانيا تتخذ إجراءات للقضاء على هذه الممارسة المضرة بالصحة والتنمية والمنتهكة لحقوق المرأة وللاتفاقية الدولية
لحقوق الطفل وكل المعاهدات الرامية إلى احترام حقوق الإنسان.
الصحفي الهادي ولد محمد الأمين
رقم الهاتف 41959914