هذا جزء من محاضرة ألقاها عمدة إحسي الطين الأستاذ عبدي ولد
إسماعيل في سنة ماضية ؛ إخترنا لكم منها هذا المقطع :
وكان العلامة المختار يجلّ صاحبنا و يعتمد عليه في حلّ النوادر؛و قد ورد
عليه كتاب من أحد خصومه؛فأعطاه لبعض تلاميذه للرد؛فقالوا:لم نجد
فيه شيئ؛فقال إعطوه لغالي فلما تأمله؛كتب عليه): سلاما )؛إشارة
إلى قوله تعالى: وعباد….؛وقال : لا يقصد إلا غالي.
و مع ذالك كان له معه موقف من نوع آخر؛فقد أخذت إحدى قبائل
(العرب) قطيعا من إبل البصاديين؛بوصفه مغرما لهم عليهم؛مقابل الذود
عن حماهم؛فلم ير غالي ذالك كذالك؛ و تحاكم طرفان على العلامة ابن
بونا؛و تمت المرافعات في الجلسة الأولى؛ثم علقت الأخرى؛و روفع فيها
بدون جدوى؛ثم استدعيا لجلسة ثالثة؛فما حطت الرحال ؛ وتقابل
الجمعان؛قال غالي:
يا من إليه تساق المعضلات إذا
ما اخلولج المنتدى حط الرحال لمه
فإن يكن حطها لجلب مصلحة
أشر إلى أهلها و لا تقل كلمه
و إن يكن لهراء طالما تعبت
به النفوس و لم يوجد جداه فمه
فالتفت عليه قائلا: أتزجرني يا غويلي زجر الكلب؟؛و التفت على الطرف
الآخر و قال : أعطوا غالي إبله.
فنفذ الحكم طواعية و عادت المياه إلى مجاريها.
ومن مشايخه مولود ولد أحمد الجواد اليعقوبي؛ و كان يسميه صاحب
العشرينيات؛وقد أنشد أمامه في لفيف من الناس قصيدته التي مطلعها:
ألا ليت شعري هل أرى بين فتية
حليفا لراحولات قين التانق
فقال: شاعروا بصاحبكم أهل الوبر و المدر؛يعني البدو و الحضر.
و في التأرجح بين البدو و الحضر يقول عبد القادر الجزائري:
يا عاذرا لامرئ قد عاش في الحضر
و عاذلا لمحب البدو و القفر
لا تذممن بيوتا خفّ محملها
وتمدحن بيوت الطين و الحجر
الحسن يظهر في بيتين رونقه
بيت من الشعر او بيت من الشعر
و من مشايخه أيضا العلامة العلم سيد عبد الله الحاج ابراهيم العلوي؛
الذي سأل شيخه المختار بونا عن أربعين مشكلة فيقول له فيها :
(عندينه)؛وعندما ذهب إلى سيد عبد الله إلى المشرق؛و اطلع على
أمهات الكتب و جدها كما قاتل شيخه؛ضرب بها المثل (عندية ولد بونا)؛
فقيل العلم جكني و الهمة علوية؛و قد ضمنها سيد عبد الله في نوازله؛
التي نظمها محمد العاقب بن ما يابى؛في نظمه البديع؛ومطلعه:
يقول مضطر لعون المالك
فاستعين الله في إحكامي
و كان غالي رحمه لطيف شفافا خفيف المزاج؛لا يحب الثقلاء؛و إذا طال
مكثه مع ثقيل يصاب بالحمى حتى أصبح يضرب به المثل فيقال عند
رؤية الثقيل: رحم الله غالي .
و من أبرز زملائه حرمه ابن عبد الجليل العلوي؛وله معه حكايات منها:
أنّه طلبه أحد حاجة عند حرمه ؛ فكتب إليه:
من كاتب الخط و منشيه و كاتبه
لحائز المجد عن إرث و كاسبه
محمد حرمة الله الذي محقت
ذكاء حكمته ظلما غياهبه
أزكى سلام و أنماه و أطيبه
ما يسرت عسرة جدوى مواهبه
فلما قرا حرمه الأبيات قال : إنني لبخيل إذا لم أقض حاجتك؛فقضاها؛و رد على زميله:
رد السلام إذا أكدى محاولة
فكيف يحسن إجلالا لجالبه
سلام غالي غلى ما يستحق به
غداه من ربنا أسنى مواهبه
لو كان كاتب لا شلت انامله
رهط ابن مقلة لم يفخر بكاتبه
و سمعا ذات يوم منينه تغني؛فقال حرمه:
ما لي أراك على حال سوى حال
أما سمعت غنا منين يا غالي
ردت علي سرابيل الصبا جددا
بعد ارتدائي لها بردا بأسمالي
لله درك ما أغلاك من غالي
يا ذا البصادي و ما أعلاك من عالي
لله درك في كتب و في أدب لله درك في قول و أفعالي
و يقول في رد له على أحد خصومه:
أبى الشعر إلا أن يكون ارتجاله
عزيزا إذا لم ترتجله رجاله
فكم جال في ميدانه متشاعر
يرى أنه سهل السبيل مجاله
فحادت به الألحان عن صوب قصده
و ألقته في الجفر المجوخ جاله
و كانت له موهبة في اللغة العربية؛ و في ذالك يقول:
و بعد فاللغة من عدانا
يمكث بين أهلها عدانا
يسائل الصميم و الولدانا
و الحشم الخول و العبدانا
و من طريف فعاله أنّه جاءته امرأة (تشتكي زوجها؛فكتب لها أبياتا إلى القاضي؛فلما جاءته و قرأها):
لئن جئتنا تخدي بك البيد نحونا
خفاف المطايا الواشحات الرواتك
فأهلا و سهلا و الرحيم و مرحبا
بك اليوم من حورا من الحور فارك
عروب من اللا لا يروم و صالها
سوى الماجد المسلاك صعب المسالك
فلما قرأ القاضي الأبيات؛قال لها: طلقك الله و طلقك غالي.
و لاشك أنّ الزوج خرج يقلب كفيه على ما أنفق فيها؛وهي (هي)؟.
فما روضتا مسك على متن هائل
ببيداء لم يبصر بها رسم نازل
تداولها صوب الغمام عشية
و باكرها صهب الظلال النوازل
عليها بروق المزن تبدو كأنّها
سيوف تلاقت من رجال كواهل
بأطيب من ثغر تفاهني به
ربية لما حان هب العواذل
و أقسمت بالعهد الذي حال بيننا
وحسبك عهدي من مقالة قائل
لقد خلق الله العيون لكي ترى
وخلق سهميها لنفذ المقاتل
مدى الدهر ما ناحت حمامة أيكة
و ما زلزل المرزام صوب الغمائم
و سأنهي معكم هذه الجولة في أدبيات غالي؛بمقطوعته الرائعة:
أحالت محيلات الديار الدوارس
لقلبي تليدات الهوى و الهواجس
لسلمى عفتها المزن حتى كأنّها
بقايا زبور في بطون القراطس
و غير منها للحسان ملاعبا
ملاعب صيفي الرياح الروامس
سقتها السماء الغرتين و علها
من الدلو يعلول الغمام الرواجس
و لا زال مربوع الأزهار كاسيا
رباها بنوعي حلية و ملابس
ملابس من حوك الولي كأنما
عليهن منها عبقري الطنافس
ديار قضينا للشبيبة حقها
بهن بوصل المنعمات الأوانس
أوانس بيض مفعمات حجولها
قصائر عين كالظباء الكوانس
عفائف لا تعط القياد وشد ما
تملكن قياد الملوك الأشاوس
(يذكرني هذا بقول القائل):
بيض حرائر ما هممن بريبة
و بالعرصة البيضاء إذ زرت أهلها
إثناء إعدادنا لهذا البحث وصلتنا هذه الأبيات:
فريد زمانه غالي البصادي
فتى الفتيان نادرة النوادي
أديب عالم ندب سري
إلى سبل المنافع خير هادي
يضم إلى العلوم زلال شعر
ألذّ من المدامة و الشهاد
فإن تكن البحوث تلذّ يوما
فأشهى البحث في غالي البصادي