مقتطفات من كتاب (تاريخ العمليات العسكرية في موريتانيا)

طالعت في الأيام الماضية كتاب (تاريخ العمليات العسكرية في موريتانيا) للنقيب الفرنسي “غاستون دوفور”، وقد ارتأيت أن أنشر منه مقتطفات مثيرة ومفيدة، توضح جانبا من السياسة الفرنسية ورؤيتها لسكان المنطقة، حيث يقول النقيب: (أصبح بنو حسان أعداءنا منذ اليوم الذي أرَدنا فيه استعمار السنغال، فقد رأوا في هذه السياسة الجديدة تقليصا لفتوحاتهم ومنعا لغزواتهم المُربحة وسيطرةً قريبة على بلادهم وهَدما لسلطتهم ومنابع ثروتهم، لذلك فإن شرفهم ومَصلحتهم كانا العاملين الوحيدين اللذين دفعاهم إلى مواجهتنا، ولم يكن الجهاد غالبا سوى ذريعة لأعمال النهب.
أما الزوايا فكانوا يرغبون في الافلات من نير المحاربين الثقيل، وقد فهموا أن الأقدار ستدفعُنا إلى احتلال بلادهم فأرادوا أن يَجري هذا الاحتلال لصالحهم، لذلك استقبلونا بالترحاب، بل إن بعضهم طلب تدخلنا.
كان الزوايا يمارسون الزراعة والتجارة، وظل شعورهم الديني عميقا، وتذوقهم للدراسة شديدا، بينما لم يكن لدى حسان من الإسلام غالبا إلا الاسم، وكانوا يعتبرون معرفة القراءة والكتابة مذمة ومعرة)؟!
وبعد أن تحدث عن خصائص قبائل حسان باعتبارهم أهل شوكة وسلاح، وأن الزوايا أهل علم ودين، ذكر أن بعض قبائل الزوايا كانت ذات شوكة أيضا مثل كنته وتجكانت وأهل سيد محمود الذين شكلوا إمارة تضاهي إمارة إدوعيش بتكانت.
ثم أردف قائلا: وكان التلاميذ (طلبة العلم ومريدو الشيخ ماء العين) الذين سببوا لنا أكبر خسائر، مجندين من الزوايا خاصة.
كما تحدث النقيب عن عصر السيبة في موريتانيا فقال: (ظلت حالة الحرب دائمة بين القبائل، ولم يكن أيٌ من السكان يستطيع أن يَخلد إلى النوم ليلا – في مُخيمه وبين مواشيه – مُطمئنا إلى أنه لن يُسلب أو يقتل قبل الصباح)؟!
وعند حديثه عن المقاومة، قال إن الموريتانيين خسروا 963 شهيدا، و116 جريحا، وفي المقابل تكبدت فرنسا 603 قتيلا، و 240 جريحا، وقد حدث ذلك كله ما بين عام 1903 و 1920 ميلادية.
ثم يتحدث النقيب عن السياسة الفرنسية التي تقضي بضرورة تفوق المُجندين السود – داخل جيش المستعمر – على المجندين البيظان في العدة والعتاد، بحُجة أن السود أكثر ولاءً لفرنسا من البيظان، ملمِحا إلى أن الفرنسيين شرعوا بعد احتلالهم للسودان (السنغال ومالي) في زرع العداوة والبغضاء في قلوب الزنوج ضد إخوتهم الموريتانيين من أجل قطع العلاقة بينهم، كما بذلوا جهودا مضنية في البحث عنهم داخل أرض البيظان لتجنيدهم والاستعانة بهم على احتلال موريتانيا.
وقد ساعد على نجاح هذه الخطة (القذرة) همجية قبائل حسان الذين كانوا يستبيحون أموال وأعراض الزنوج بالغارات على مناطقهم بالضفة.
ومن العبارات الطريفة التي استوقفتني في الكتاب أن المؤلف يطلق على كل منطقة احتلتها قواته الغازية عبارة (أرضنا) فحين يتعرض لغارة أو هجوم مسلح من قبل المقاومة يقول مثلا: وفي اليوم كذا، من شهر كذا هاجمتنا عصابة في أرضنا؟!.
ويقول النقيب عند حديثه عن الحرب العالمية الأولى إن مجمل ما قدمه سكان موريتانيا إلى فرنسا من معونة مادية خلال هذه الحرب بلغ 4512 طنا من الحبوب، و5600 ثور، و75000 افرنك فرنسي، أما المجندين فقد وصل عددهم إلى 2140 مجندا أغلبهم من السود.
يتضح من خلال الكتاب أن الموريتانيين تداعوا من كل صوب وحدب ومن مختلف الجهات والفئات للتصدي للغزاة المحتلين، في تلاحم وتكاتف يدلان على إحساس عميق بوحدة الانتماء والمصير المشترك.
وقد شكل أهل البلاد شبكة علاقات قوية لنقل الأخبار والتواصل بين المقاومين من أجل إمدادهم بالمؤن والأنصار.

بقلم/ سيدي ولد أحمد مولود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى