أحد أبناء مدينة كيفه يكتب عن الدولة الموريتانية

هل حقا توجد دولة اسمها موريتانيا ؟ الحسن ولد امان

إنه لمن المعلوم من أبجديات النظرية القانونية للدولة الحديثة أنها تقوم علي ثلاثة ركائز إذا ما اختلّ أحدها لا تعدالرقعةُ الأرضية في مصافّ الدول الناجحة ولا الفاشلة حتي .. وقد حصر فقهاء القانون الدستوري تلكم الركائز فيما يلي  :

_ الأرض ذات السيادة ..

_ الشعب صاحب الانتماء ..

_ حكومة سياسية ذات مرجعية شعبية ..

هي إذا أركان عليها اتفق كل فقهاء القانون علي اختلاف المشارب وإن أضاف البعض وقدّم أو أخر فيها ..

من هذا المنطلق المُتجذّر في فقه القانون, هل يجوز أن نطلق علي الأرض المسمات _ مشرقياً _  بلاد شنقيط  اسم الدولة الموريتانية ؟!.

أما عن الأرض فالأرضُ وإنْ كانت في ظاهرها أرض وطنٍ كافح من أجلها الأوائل وضحوا بأرواحهم الطاهرة ثمناً لتحريرها, فقد بدت في حقيقتها اليوم رقعة لإلقاء نفايات المخابرات  الغربية والفرنسية منها علي وجه التحديد وبوصلة تُدار دونما استفسار في غالب الأحيان, وما أنف فرنسا الإستخباراتيّ عنا ببعيد قُبيل وبعد كل انقلاب أو تحرك عسكري كائنا ما يكن حجمه ..

وما عليك سيدي القارئ إلا أن تنظر إلي المساحة التي تحتلها السفارة الفرنسية في العاصمة من دون نظيراتها لتُمسك برأس الخيط الأسود الآثم علي مدار قرن من الزمان .. ثم ضف إلي ما سبق أن مساحتها تفوق مساحة القصر الرماديّ نفسه, وكذا يكون حال السيد مع المسود ..

ولا يجدر بك أن يغيب عن علمك هنا _ والشيء بالشيء يُذكر _ أن هذه السفارة تضم في زاويتها الثقافية مرقصاً وقاعة للسينما أُعدّا للإغواء والإغواء فقط, زُرها وانظر كيف يُشغّلون الفلم ويطفئون المصابيح تاركين الفتيات والفتيان حياري علي أنغام التّيه ولحن الغريزة  دونما رقيب !..

والآن لنضرب عن ركن الأرض صفحا ونُسلّم جدلاً بأنها أرض لا يحكمها  إلا بنوها وأن ركنا من أركان الدولة الحديثة قد وُجدَ .. ألنا شعبٌ صاحب انتماء وطني ؟..

أخي, أختي, إنكما لتعلمان أنه علي هذه الأرض الحزينة بأبنائها يعيش أكثر من شعب كلٌ في فلك يسبحون ..

وقد لمستُ وعايشتُ مفارقة غربة المواطن في وطنه أيام أحداث الجامعة سنة 2012 علماً أن رواد الجامعات عادة ما يكونون عصارة المجتمعات .. كنت يومها أراقب الوضع في صمت وأنا طالب في قسم القانون باللغة الفرنسية, جميع الطلاب بقسمي كانوا من ” الشعب ” الآخر إلا خمسة .. داخل أسوار الجامعة, هناك اتحاد يمثل شعبين وهناك اتحاد آخر يمثل شعبين, وكلٌ من الشعوب الأربعة متحالف انتقائياً داخل الحرم الجامعي, وفي خارجه  شعب مستقل انطوائيٌّ له لغته وعاداته وأسراره إلا من رحم الله .. يومها كان البيظان ولحراطين يُسيّرون مظاهرات همُّها في الغالب فلسطين ومختلف الإهتمامات الخارجية لهذين المكونيْن .. في المقابل يسير الفلُّان والسُّونكي مظاهراتهم الخاصة ولا هم يحزنون !..

ولو أن الأمر اقتصر علي تيارين لهان ولطاب, ولكن في الواقع وأثناء الدردشات الطلابية, تجد الفولّان لوحدهم بلغتهم يتحدثون والسونوكي كذلك في عالم آخر وتَزكُم أنفك العبارات العنصرية التي يطلقها كل من البيظان ولحراطين تجاه بعضهم البعض أو تجاه أي مكوّن آخر .. لا سلْم ولا تفاهم, كنت حين أجالس أصدقائي من الهالبّولار يغيرون الحديث إلي اللهجة الهالبولارية فأبهتُ, وحين نضطرُّ إلي التفاهم نتفاهم باللغة الفرنسية وكأنها ليست بلغة الأغراب !..

وكذا يكون حال الفردين إذا كانا من شعبين مختلفين ولا أحد منها يتقن لغة الآخر, يلجآن إلي لغة أخري للتفاهم, ما يعني أن مَدَ التفاهم ينقضي بانقضاء الحديث ليعود كل إلي مخدعه وأسراره .. فذنب من هذا التشرذم واللّا شعور لا بالوطنية ولا بمواطنة الآخر يا تري ؟!..

البيظان وعاداتهم التي لا محالة ستُوردُهم قاعَ التلاشي في عالم وعلي كوكب مُستقل  ..

الفلان علي كوكب آخر من المفاهيم قاطنون, لهم عادات وأسرار ولا هم يحزنون ..

السونوكي رغم روابطهم بالفلان, يظلون في عالمهم الآخر وبروجهم العالية, لا ينزلون .. هم اقرب شعوب الجمهورية إلي أصحاب الكهف ^ وليتلطف ولا يشعرنَّ بكم أحداً إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبداً ^

وكذاك حال لحراطين والوُلفُ !..

لا لغة تجمع ولا وطنية تؤلف ولا علاقات اجتماعية تشفع ..

نهج هيتْـلري صارمٌ في فلسفة النقاء العرقي وتراتبية الأعراق !..

والمُحزن أننا حين ننظر إلي الخارطة العالمية نجدنا بدعاً من البشر .. في الصين أعراق ولها لغتها الرسمية الملزمة, في الولايات المتحدة عشرات الأعراق وفي الروس والهند .. لا فرق سوي أن هناك أعراق آمنت بالمواطنة وجمعتها لغة الوطن وإن استمسكت بلهجاتها للأحاديث الخاصة, أما في حالتنا فأعراق يعُّز عليها كل شيء ما عدي بناء وطن, إلا من رحم الله ..

سيدي القارئ, إنْ نحن غرسنا الرؤوس في الرمال وآمنا _ مخادعة _ أن لنا شعبا موحداً, فهل لنا سلطة سياسية فعلية ؟..

الفقيه الفرنسي ” باترلي ” يعرف الدولة علي أنها : ” مؤسسة سياسية مدنية (…) ” فهل فعلاً تحكمنا سلطة سياسية مدنية ؟!..

يا سدي, العسكرية ثقافة وفلسفة والمدنية أسلوب وطبع ينغرس, العسكري إن خلع البزة يظل عسكريّ الفكر والطبع .. ما عرف في موريتانيا بعد عهد المختار حتي الآن, من افتعال المدنية والحسّ المدني ضحك علي الذقون مُرّر من خلال ملء بطون الوجهاء !..

* الأرض : سيادة منقوصة ..

* الشعب : أعراق مختلفةُ الانتماء لا يَجمعها سوي السماء من أعلا والتراب من أسفل ..

* الحكومة المدنية حبرٌ علي ورق وتغليفٌ وإعادة تغليف للعساكر بعد الإطاحة بالحكم المدني الرحيم ..

لا تقل لي الإسلام, فالإسلام قاسمٌ مشترك بيننا وبين مسلمي النرويج والسينغال, ويظل النرويجي نرويجيا والسينغالي سينغاليا وإلي الله عاقبة الامور ..

الخلاصة : كل ركن من الأركان المكونة للدولة الحديثة في موريتانيا به تصدُّع إن وُجد ..

فإلي حتي متي ؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى