‘‘ صفقة القرن ‘‘ ترايخها و أهدافها و فحواها
عندما دخل وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان مدينة القدس منتشيا
ورُفع العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة بعد تكبيد العرب هزيمة
عسكرية قاسية في يونيو/حزيران 1967، كانت إسرائيللا تزال في
حاجة إلى “صفقة القرن” التي رفضها عبد الناصر عام 1955 وقبلها
آخرون، ووصلت إلى ابن سلمان مع تغير الظروف والشروط والملابسات.
قال موشي دايان آنذاك منتشيا بنصر لم يكن منتظرا بهذه السرعة والسهولة “لقد أعدنا توحيد المدينة المقدسة، وعدنا إلى أكثر أماكننا قدسية، عدنا ولن نبرحها أبدا”، معتبرا أن الهزيمة العسكرية الساحقة ستخضع العرب للمطالب الإسرائيلية.
وتعودت إسرائيل منذ عام 1948 بعد زرعها بالمنطقة أن يكون السلاح أداة لفرض أمر واقع على العرب بمساعدة بريطانية وأميركية خصوصا، وكانت ضغوطها الأساسية باتجاه قبولها بالمنطقة وإقامة “صفقة سلام” مع العرب بشكل شامل أو منفرد.
الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر أثناء إلقاء خطاب له (الجزيرة) |
جسر السلام ونداء الطبيعة!
بدأ مصطلح “صفقة القرن” يظهر في أدبيات إدارة الرئيس الأميركي الراحل دوايت أيزنهاور (1953-1961) عندما أراد مقايضة رغبة القاهرة في بناء السد العالي بقوله “إذا رغبتم في عوننا، فيجب أن تعقدوا سلاما مع إسرائيل وإزالة كل أسباب التوتر والحروب”، إضافة إلى شروط أخرى اعتبرت من قبل القاهرة “مذلة”.
ويشير عدد من مساعدي عبد الناصر في مذكراتهم إلى أن الزعيم المصري كان يدرك أن واشنطنلن تساعد مصر في إقامة المشروع الضخم، بل كانت ستوجهه لفرض شروط قاسية تهدف لاحتواء الثورة وضرب أساس الاستقلال المصري، وربما لتوريط مصر في المشروع ثم الانسحاب منه.
في ديسمبر/كانون الأول 1955 عندما زار روبرت أندرسون مبعوث أيزنهاور مصر، كان طلبه أن يقبل عبد الناصر صفقة السلام مع الإسرائيليين ويقابل رئيس الوزراء ديفد بن غوروين شخصيا.
عندما رفض عبد الناصر مبدأ مقابلة بن غوريون وأشار إلى أن قضية فلسطين هي قضية عربية لا تخصه وحده وأنه شخصيا -بقرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947- مع تقرير الكونت برنادوت، على أن يكون النقب ضمن حدود الدولة الفلسطينية لضمان التواصل الجغرافي بين طرفي الوطن العربي.
لصعوبة إقناع إسرائيل بهذا الطرح، اقترح أندرسون إقامة جسر يمتد بقرب حدود مدينة إيلات في جنوب إسرائيل، ويصل بين مصر والأردن، وتكون السيادة فوق الجسر للطرف العربي، وتحته للإسرائيليين. وكان رد عبد الناصر الساخر بأنه إذا لبى أحد العرب “نداء الطبيعة” فوق الجسر فذلك كفيل بإشعال حرب بين الطرفين، وانتهى بذلك الحديث عن صفقة القرن وعن تمويل السد العالي، وجاء تأميم قناة السويس، وكل ما جرى لاحقا.
الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر (وسط) يشد على أيدي أنور السادات (يسار) ورئيس الوزراء الإسرائيلي ميناحيم بيغن بعد توقيعهما اتفاقية كامب ديفد (أسوشيتد برس) |
النكسة وما بعدها
أدت النكسة ونتائح حرب يونيو/حزيران إلى تطور مفصلي في الصراع العربي الصهيوني، إذ سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناءوالجولان، وكان الهدف فرض واقع جديد على العرب -فرادى أو جماعات- قوامه الاتجاه إلى السلام نظرا لاستحالة هزيمة إسرائيل عسكريا، وفق السردية الإسرائيلية.
أدت النكسة إلى متغيرات مهمة على الصعيد العسكري والسياسي والنفسي. وكانت وطأتها شديدة على الوعي العربي، ورغم أن نتائجها المباشرة على الصعيد الرسمي كانت “اللاءات الثلاث” بقمة الخرطوم في أغسطس/آب 1967، فإن العلاقات والاجتماعات السرية بدأت تترى، وبدأت ملامح التغير في مفهوم الصراع في اتجاه البحث عن “صفقة سلام”.
أتى القرار 242 -الذي أصدره مجلس الأمن يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1967- تعبيرا عن النكسة وعن الخلل الكبير في الميزان العسكري، وقد فتح لإسرائيل كوة في جدار الصد العربي بعد اعتراف مصر والأردن به، ونص القرار -إضافة إلى الانسحاب من أراض عربية محتلة- ضمنيا على إنهاء حالة الحرب والاعتراف ضمنا بإسرائيل دون ربط ذلك بحل القضية الفلسطينية.
وعلى غير المتوقع أدت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بإنجازها العسكري غير المسبوق على الجبهتين المصرية والسورية في الأيام الأولى، إلى فتح المجال لمسار السلام والتطبيع مع إسرائيل، إذ وجدت تل أبيب صفقتها الكبرى مع الرئيس الراحل أنور السادات، الذي زار القدس في نوفمبر/تشرين الثاني 1977 وأقر اتفاقية السلام مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ميناحيم بيغن في كامب ديفد بالولايات المتحدة يوم 17 سبتمبر/أيلول 1978، ووقعت رسميا بواشنطن يوم 26 مارس/آذار 1979.
جاءت زيارة السادات المفاجئة إلى القدس وتوقيعه اتفاقية السلام انطلاقا من فهمه بأن الصراع مع إسرائيل مسألة نفسية، وأن العرب لا حول ولا قوة لهم باعتبار أن 99% من أوراق الحل بيد الولايات المتحدة، في حين كانت إسرائيل والولايات المتحدة تهدفان إلى جعل مصر قاطرة “السلام” في المنطقة وتوسيع الصفقة.
وباستغلال ظروف كثيرة -بينها خروج مصر من دائرة الصراع والانقسام العربي والاتصالات والمفاوضات السرية- نجحت إسرائيل مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في إقناع الرئيس الراحل ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية في توقيع اتفاقية أوسلو– أو اتفاقية المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الفلسطيني المؤقت في غزة والضفة الغربية- يوم 13 سبتمبر/أيلول 1993.
لم تتجاوز الاتفاقية الكثير من المطبات القانونية والتاريخية، وأثارت انقساما فلسطينيا وعربيا حادا، وكانت مبهمة بشأن وضع القدس وحق العودة، واعتبرت الضفة وغزة أراضي إسرائيلية سمح للفلسطينيين بإقامة حكم ذاتي عليها. ورغم ذلك استطاعت إسرائيل أيضا جلب الأردن إلى دائرة السلام بعد توقيع اتفاقية وادي عربة يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994 إلا أن صفقتها خلال القرن العشرين توقفت في هذه الحدود.
|
صفقة القرن 21