حراك المياه … (اروايت كيفة)/بقلم : عبد القادر ولد الصيام
يونيو 9, 2018
تشهدُ مدينة كيفة هذه الأيام هجرة كبيرة باتجاه العاصمة هروبا من الحرارة المرتفعة و العطش القاتل، و هي رحلة الصيف التي تبدأ قبل الصيف -كل عام- فتُخلي المدينة من سكانها القادرين على الهروب بما خفّ حمله و غلا ثمنه، و تصبح المدينة مدينة أشباح لا يُقيم فيها إلا بعض “المسؤولين” أو بعض “المُخلَّفين” الذين لا يستطيعون ضربا في الأرض، و هذا الصنف الثاني هو من يعاني الأمرّين: فلا هو قادر على الهجرة و لا يتوفر لديه الماء و الكهرباء بشكل يَقيه من لهيب المدينة و عطشها، و لا يتوفر لديه المال الكافي لتسديد فواتير الكهرباء و شراء الماء!!
و قد نشرتُ يوم العاشر من مارس الماضي مقالا بعنوان :” تزويد كيفة بالمياه: وعدٌ لم يتحقق،و حُلْمٌ و حَقٌّ لا يُمكن التنازل عنه”، و هذا رابطه:
و في الحقيقة فإني إنما كنتُ أقرأ الواقع الصعب، و أستشرف بعض التحركات التي كانت أفكارا لدى بعض النشطاء الغيورين على المدينة و مصلحتها، و قد وُلِد من رَحِم هذه المعاناة مبادَرةٌ مطالِبَةٌ بتزويد كيفة بالمياه عُرِفت بحراك “اروايت كيفة”، و قد تم الإعلان عن تأسيسها بعد ذلك بأيام -و ذلك بعد نقاشات و تنسيق بين أفراد متعددين من أبناء المدينة في الداخل و الخارج- و قد تم اختيار منسق عام للمبادرة هو السيد: المخطار ولد حبيب (الصورة رقم ١) يُساعده مكتب تنفيذي مؤقت، كما يوجَدُ منسق للحراك -في كل حي من أحياء المدينة- يتولى التعبئة و تنسيق الجهود و الوقفات.
الأهداف و المنطلقات:
و قد جاء في الإعلان التأسيسي للحراك:
” على الرغم من الوعود المتكررة من الحكومة، بإنهاء أزمة العطش التي تعانيها ساكنة مدينة “كيفه” إلا أن حقيقة شح مياه الشرب، و ندرتها بدت واضحة للعيان يوما بعد يوم.
مسار الوعود الحكومية بحل مشكل العطش، بدأ عندما أبلغت وزارة المياه السلطات الإدارية بالمدينة يوم التاسع عشر من يوليو 2013 أن الحكومة ستقوم بإعداد دراسة لتزويد المدينة بالمياه من سد ” فم لكليته”، متوعدة بإنطلاق الأشغال في المشروع منتصف 2014 و هو ما لم يتحقق ثم طرح بعد ذلك مشكل عطش أهل كيفه و مصير المشروع على رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز في مايو 2015 فأجاب بأن الحكومة تعمل على توفير مياه الشرب للمدينة من مصدر آخر و هو بحيرة كنكوصة و هو ما لم ير النور حتى صياغة هذه الحروف.
و بناءً على ما تَقَدَّم قررت مجموعة من أبناء المدينة و أطرها و المنحدرين منها تأسيس مبادرة تهدف إلى دعوة الحكومة إلى تزويد أهل كيفه بالماء الصالح للشرب و وضع حد لأزمة العطش الحادة التي يعانونها و التأكيد على أن توفير المياه مطلب أساسي لا تراجع عنه و توعية سكان المدينة بضرورة بالدعم و الوقوف مع مؤسسي المبادرة و مطالبة جميع أطر و أبناء المدينة المقيمين في الخارج بضرورة النضال السلمي بما يملكون من أوراق ضعط متاحة لتوفير المياه لأهلهم في كيفه و ترحب المبادرة بجميع الراغبين في الانخراط بالمبادرة مهما كانت توجهاتهم و آراءهم و مشاربهم الفكرية فمطلب توفير المياه للمدينة إنساني و حقوقي و ليس سياسيا و من مصلحة الجميع المساهمة في تحقيق هذا المطلب المشروع الذي لا غنى عنه لبقاء شريان الحياة نابضا في العروق لأن الماء هو عصب الحياة” (انتهى الاستشهاد).
و قد أكّد أصحاب المبادرة على أهدافهم و وسائلهم السلمية أكثر من مرّة، و قد جاء في بعض بياناتهم التوضيحية ما يلي: ” يسرنا نحن منسقي حراك ” ارواية كيفه ” أن نجدد للرأي العام الوطني، أن هدفنا نابع من مطلب اجتماعي، و حق ثابت لساكنة مدينة كيفة للحصول على الماء الصالح للشرب، مؤكدين أنه لا يحمل أي صبغة سياسية .
و نذكر الرأي العام الوطني، بأن الحراك أسسته مجموعة من أبناء المدينة و المنحدرين منها داخل الوطن و خارجه، آمنت بأن الحق في الحصول على الماء مطلب لا تراجع عنه، منسلخة من مواقفها السياسية و توجهاتها الفكرية، في سبيل نجاح الحراك و عدالة مطلبه، معلنة بأن حقها و حق ساكنة المدينة في الماء، أسمى من المصالح الضيقة و الإكراهات السياسية.
و ندعوا كافة القوى الفاعلة في المجتمع المدني و أصحاب الضمائر الحية أن يساعدوا الحراك في أنشطته التعبوية في سبيل حصول ساكنة كيفة على الماء الصالح للشرب، مثمنين عاليا تجاوب بعض وسائل الإعلام مع بيان الحراك التأسيسي، و مطالبين بالمزيد من المواكبة من قبل الإعلام و المدونين و صناع الرأي حتى تصل “ارواية كيفه” و تبتل عروق عطاشها ويثبت الأجر إن شاء الله”. (انتهى الاستشهاد).
الوسائل و الأدوات:
يسعى هذا الحراك السلمي إلى تحقيق أهدافه من خلال كل الوسائل السلمية المتاحة، و في هذا الصدد فقد قام بإنشاء مجموعات على الشبكات الاجتماعية للترويج لفكرته و لاكتتاب الأعضاء و المؤيدين، و يمكن الاطلاع على مجموعات الحراك -على الفيس بوك و الواتس آب-من خلال زيارة الرابطَين التاليين:
أو الاتصال بالمنسق العام للمبادرة : السيد/ المخطار ولد حبيب (رقم الهاتف، و الواتس آب) :
+222 27 12 12 13
و تنشط هذه المجموعات من أجل التعبئة و التحسيس و تناقش مختلف القضايا المتعلقة بالموضوع.
و قد قام الحراك بعدة وقفات تحسيسية في معظم أحياء المدينة، و قد رُفعت خلال هذه الوقفات المطالبة بالماء (الصور رقم: ٢،٣،و ٤) شعارات متعددة، و تستنكر هذه الشعارات (الصور :٥،٦، و ٧) و الوقفات تقاعس الحكومة عن تحقيق هذا الحلم الذي لا يمكن التنازل عنه- بل هو شرط للبقاء- و يسعى الحراك إلى الترخيص لوقفة كبيرة أمام مقر الولاية و تقديم عريضة مطلبية تضم توقيع أكثر من ألفي ( ٢٠٠٠) شخص تم جمعُ توقيعاتهم من أبناء المدينة في الداخل و الخارج (راجع الصور: ٨،٩،١٠ التي تضم توقيعات لشخصيات مختلفة من أبناء المدينة في الداخل و الخارج).
و في انتظار ما سيُسفر عنه ردّ السلطات المحلية في الولاية فإن الحراك يبقى جاهزا لمزيد من الوقفات في كيفة، و ربما يتحرك باتجاه انواكشوط للتظاهر أمام الرئاسة و الوزارة الأولى، و سوف يجد الكثير من المناصرين من أبناء الولاية الذين هجروها بسبب العطش، فهل يحقق الحراك غايته؟
هل يحقق الحراك غايته؟
رغم حداثة هذا الحراك و عدم قيامه بكثير من النشاطات الكبيرة إلا أنه استطاع أن يوقظ حلم الحصول على الماء و يرفع صوته عاليا بالمطالبة بتزويد المدينة بالماء -رغم الصمت المُخزي و المُريب لكثير من مسؤوليها و منتخَبيها- و قد استطاع الحراك -كذلك- توحيد أبناء المدينة في الداخل و الخارج -بعد جمعهم في مجموعات التواصل الاجتماعي حول قضايا مهمة غير سياسية و ستكون لذلك آثار إيجابية على المدينة و الولاية في المستقبل القريب- إن شاء الله-.
و مهما يكن من أمر فإن المنسق العام للنشاط و مكتبه التنفيذي و أعضاءه و مُناصريه يُصِرُّون على مواصلة نشاطاتهم السلمية و المطالبة بتزويد كيفة بالمياه، و لن يستكينوا و لن يهدأ لهم بال حتى يتحقق هذا الحلم المشروع و الضروري لبقاء المدينة ، و سيبذلون الغالي و النفيس في سبيل تحقيق ذلك، و سيقومون بكل نشاط سلمي يقرّبهم من الحصول على هذا الحق المشروع و الحلم الذي لا يُمكن التنازل عنه، و هم يعلمون أن “مَن جَدَّ وَجَد، و مَن زرع حصد” وأنه “ما ضاع حق وراءه مُطالِب”، و لهم في تجربة إخوتهم في مگطع لحجار و نضالهم السلمي الطويل خيرُ دليل على نجاح و ضرورة النضال السلمي، و شعارهم قول شاعر البلاد -أحمدُّ ولد عبد القادر-:
سبيلُنا النصرُ مهما طال موعده ** و زادُنا البذلُ مهما عَزّ أو عَظُما!