عبد القادر ولد الصيام يكتب : من سينتشل التعليم في ولاية لعصابه؟
مارس 26, 2018
لَفَتَ إضرابُ المعلّمين-في كيفة يوم الإثنين ١٩ مارس الحالي- الأنظار إلى واقع التعليم المُزري و ما يعانيه المدرّسون من شُحٍّ في الموارد و ضعف في المكافآت ، و رغم أنه يُؤخَذِ على هذا الإضراب إغفالُه المطالبَة بتحسين التعليم في الولاية و تركيزه على مصالح المعلمين كالمطالبة بعلاوة الطبشور لمديري المدارس و تساوي علاوة بُعد المعلم مع الأستاذ ، و فتح باب “التكملة أمام المعلمين المساعدين” إلا أن ذلك كله لا يعفي أبناء الولاية و المهتمّين بقضاياها من الحديث عن واقع التعليم المُزري و البحث عن من ينتشله من حضيض الإهمال ، و يأتي هذا المقال مساهمة متواضعة في ذلك- علّه يجد آذانا صاغية من المسؤولين و صنّاع القرار و من يدور في فلكهم و يؤثّر عليهم.
الماضي المُشْرق للتعليم في لعصابة:
لقد عُنِيَ أهلُ لعصابه – مثل غيرهم من بقية أبناء الوطن- بالعلوم الشرعية و علوم الآلة، و بعد الاحتلال درسوا العلوم الأخرى و تفوّق فيها كثير منهم. و يضيق المقام هنا عن ذكر العشرات من العلماء و المفكرين و المهندسين و الأطباء…. الذين تخرّجوا من التعليم في كيفة ، و قد برعوا حيثما ذهبوا للدراسة في فرنسا و ألمانيا و روسيا و مصر و سوريا و المغرب و الجزائر و السنغال و غيرها من الدول، و يكفينا هنا أن نذكر أن أحد أبناء كيفة و هو الدكتور محمد ولد محمد أحيد ولد ماديك-رحمه الله- حصل عل شهادة الدكتوراه من الأزهر الشريف -قبل الاستقلال- سنة ١٩٥٩ م عن تحقيقه لكتاب “الكافي” في فقه أهل المدينة للإمام الحافظ ابن عبد البر القرطبي المالكي.
و قد كان يؤطّر التعليمَ في لعصابه رجالٌ أخلصوا لله و أحَبّوا مهنتهم و طلابهم و وطنهم (فمنهم من قضى نحبه و منهم مَن ينتظر) وهي فرصة أغتنمها لِذِكْر بعض المُربّين المخلصين الذين أفضوا إلى ما قدّموا-بعد عُمْرٍ طويل من التعليم و التوجيه -سائلا المولى عز وجل أن يغفر لهم و يرحمهم -و أكتفي بِذِكْر بعضهم- تنبيها بالبعض على الكل، و من هؤلاء – على مستوى مقاطعة كيفة-:
اسماعيل ولد عُمارْ
محمد فاضل ولد عبداوَه
محمد محمود ولد امَّـنُّ
معاذ ولد سيدي عَبْدَلَّ
الطالب ولد عَبْدُ الله
أحمدُ ول البَحْ
إسلمُ ولد محمد الهادي
محمد محمود ولد الطيب (ولد البان) رحمهم الله جميعا، و رحم غيرَهم من المدرّسين و بقيةَ عباده المؤمنين.
(بداية تدهور التعليم )
لكنّ واقع التعليم ساء بعد ذاك و تدهورت أحواله، فمثلا تراجعت نسبة النجاح في الباكلوريا-وطنيا و جهويا- حسب الإحصائيات التي نشرتها إدارة الامتحانات و المسابقات- فتراجعت -وطنيا- من معدل نجاح ٥٨.٢٥٪ سنة ١٩٧٤ إلى ٢٢.٦١ ٪ سنة ١٩٩٥ لتنحدر إلى نسبة ٢١.٠٤٪ سنة ٢٠١٠ ثم ١١.٢٨ ٪ سنة ٢١٠٦ (و هي نسبة تضم ٤.٧٥٪ من “الملحَقين” الذين لم يحصلوا على معدل ١٠/٢٠ ، و بلغ عددهم ٢٤١٣ مترشحا، و تم نجاحهم “بعد المداولات”)، و أما في لعصابة فقد كانت نسبة النجاح في الباكلوريا ٧.٨٥ ٪ سنة ٢٠١٦ ( أي أن ١٣٦ شخصا فقط نجحوا من بين ١٧٣٢ من المترشحين على مستوى الولاية) و ذاك ما نَقَلَنا من ماض مُشرق كانت نسبة النجاح و التفوّق فيه مرتفعة إلى حاضر مُؤَرّق قلّت فيه نسبة التحصيل و النجاح !!
الحاضر المؤرّق:
يعاني التعليم في لعصابة من أزمات متعددة تشمل البُنى التحية (البنايات و التجهيزات) و البُنية الفوقية (الأخلاق و الالتزامات)، و من أجل الحديث عن ذلك فإنه لا بدّ من ذكر بعض الأرقام و الإحصائيات عن التعليم في الولاية حتى نكون على بصيرة بحاله المؤرّق و حتى نناقش مستقبله المُخيف -إن لم يتغير مسار الأمور نحو الأحسن-.
و طبقا لمقابلة مع المدير الجهوي السابق للتعليم في لعصابه السيد لمرابط ولد محمدو – نشرتها الوكالة الموريتانية للأنباء يوم ٣١/١/٢٠١٧ فإن نسبة التمدرس في الولاية وصلت ٧٢٪ في العام الدراسي ٢٠١٠/٢٠١١ و هي نسبة مشابهة للنسبة الوطنية.
و بالنسبة للتلاميذ فقد بلغ عددهم في:
المرحلة الابتدائية : (بالنسبة للعام الدراسي ٢٠١٦/٢٠١٧) : ٦٢.٤٣١ تلميذا يؤطّرهم ٨٦٨ معلما، يستخدمون ٨٧ مدرسة مكتملة (تتوفر على ١١١٧ فصلا دراسيا) و ٣٦٣ مدرسة “غير مكتملة” و هو مصطلح يعني أن هذه “المدرسة غير المكتملة” تتكون من فصل واحد أو فصلين أو ثلاثة فصول، أو متعددة المستويات، أو ذات أعداد قليلة!!). و تتوفر هذه المدارس على ١٢٩٠١ من الطاولات بنقص يصل إلى ٤٠٠٠ (أربعة آلاف) طاولة!!
المرحلة الثانوية: و قد بلغ عدد التلاميذ في هذه المرحلة- (الإعدادية و الثانوية) : ٩٧٨٠ تلميذا موزعين على ٢٢ مؤسسة يؤطرهم ٣٠٠ أستاذ (بمتوسط ٤٤٤ تلميذ لكل مؤسسة، و أستاذ واحد لكل ٣٢ تلميذا – و سوف نرى أن هذا الرقم الأخير قد يكون “غير مضطرد” في معظم الفصول!).
و مشاكلُ التعليم في لعصابة لا تنفصل عن مشاكل التعليم وطنيا، و هي مشاكل كثيرة و خطيرة، فرغم إعلان ٢٠١٥ سنةً للتعليم إلا أن موريتانيا حصلت على الترتيب رقم ١٣٤ -بالنسبة لمؤشر التعليم- في تقرير “مؤشر التنافسية الدولية Global Competitiveness Index الصادر عن “المنتدى الاقتصادي العالمي”. World Economic Forum (الصورة رقم ١) كما أن مجموع المدارس -في الوطن- في كل المراحل ما قبل التعلم الجامعي يصل عددها إلى ٣٦٨٢ ، و تبلغ نسبة التمدرس -وطنيا- ٨٤٪ لكن نسبة التسرّب المدرسي تصل إلى ٤٠٪!!! و نسبة النجاح في المسابقات قليلة جدا!!
و وِفقا لإحصائيات البنك الدولي (سنة ٢٠١٣) فقد بلغت نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم ١١.٤١ ٪ من الميزانية، أي ٣.٩٩٪ من الناتج الاجمالي المحلي، و تُشير تقارير إعلامية إلى أن ميزانية التعليم -قبل سنتين- بلغت ٤٧ مليار أوقية منها ٧ مليارات للرواتب، و ١.٣٤ مليارا للمنح ، و ٣٩ مليارا (أي حوالي ٨٣٪)منها مُخصصة ل”المشاريع و الصفقات” و هي مشاريع و صفات أقلّ ما يُقال عنها أنها “لم تترك أثرا إيجابيا في التعليم حتى الآن”!!
و عودا على الحاضر المؤرّق للتعليم في لعصابة فإنني أذكُرُ هنا بعض الحقائق و المعلومات الخطيرة عن واقع التعليم المُزري، و مِن ذلك:
النقص الحاد في عدد المدرّسين، و التأخر في اكتتاب المدرّسين العقدويين، (و خاصة مدرسو المواد العلمية -كما صرّح بذلك المدير الجهوي الحالي للتعليم في مقابلة صحفية مع موقع “وطني” يوم ٢٩/١١/٢٠١٧).
عدم توفّر التجهيزات الضرورية للعملية التربوية، و من ذلك الطباشير (راجع الرابط التالي) :
غياب التفتيش: حيث لا تتوفر المفتشيات على سيارات، كما تم الاستغناء عن إرسال بعثات التفتيش للداخل بحجة “ارتفاع التكلفة”؛ فلا يوجَدُ تقييم و لا تقويم لأداء المدرّسين!!
الاكتظاظ: حيث يبلغ عدد الطلاب -أحيانا- في الفصل الواحد أكثر من ١٠٠ (مائة طالب للفصل) يجلس بعضهم -خصوصا البنات- على الأرض لعدم وجود مقاعد كافية!!
عدم ملاءمة الفصول للدراسة: فهي باردة في الشتاء و حارّة في الصيف، و لا توجَدُ تهوية مناسبة، و قد أصبحت بعض هذه الفصول متهالكة و بعض المدارس خاوية على عروشها مما ينذر بكارثة حال سقوطها!! (يمكن مراجعة الرابط التالي حول الموضوع) :
و راجع الصور المرفَقَة : ( الصورة رقم ٢ من مدرسة گوميز رقم ٢، و الصورة رقم ٣ لمدرسة العراق رقم ٦ في اتويميرت -الفاروق حاليا- و الصورة رقم ٤ لمدرسة لقليّگ رقم ٨).
و من الأمثلة على بعض ما سبق “إعدادية كيفة رقم ٢” التي رفضتْ السلطات تسلّمها من المقاول قبل أن ترضخ لضغوط كبيرة، و هي في الأصل ست (٦) حجرات ، و قد تمّ تحويل المكاتب الإدارية و المختبَر إلى قاعات دراسية فبلغ عدد القاعات الدراسية ١١ قاعة!!!
عدم وجود الماء الصالح للشرب بالنسبة للتلاميذ، مما يشغل المدرّس و التلاميذ عن مهمّتهم الأساسية و الانشغال ب”تفويج” العطشى الباحثين عن ما يروي غلَّتهم-خصوصا في فترة الصيف- (يمكن مراجعة الرابط التالي حول الموضوع) : http://www.kiffainfo.net/article211…
عدم وجود مراحيض في معظم المدارس، أو كونها غير لائقة!!
منافسة التعليم الحر للتعليم العمومي، و تركيز بعض المدرّسين العمومين عليه و اهتمامهم به على حساب خدمتهم العمومية. دفع ميزانيات كبيرة لمدارس “الامتياز”- رغم أهميتها و رغم قلّة تلاميذها- في مقابل إهمال “مدارس غير المتميزين”!! عدم الاهتمام بالمدرّسين الذين يعانون من ضعف في الرواتب:
حيث يبدأ المعلم المساعد عند تخرجه براتب قدره ٩٠ ألف أوقية (و المعلّم التام ب ١٠٥ آلاف) و المعلّم العقدوي ب٥٥ ألفا! أما أستاذ السلك الأول -الثانوي- فيبدأ ب٩٦ ألفا و في السلك الثاني ب١٤٠ ألفا، و الأستاذ العقدوي بحوالي ٧٠ ألفا ، و قد تم توقيف “التقدمات الوظيفية” التي تتراوح بين ثلاثة آلاف و خمسة آلاف؛ فمنذ سنة ٢٠١١ تمّ تجميد الزيادات في الرواتب- رغم غلاء الأسعار و انخفاض قيمة الأوقية- مما يشغل المدرّس -عن مُهمّته- بالبحث عن عيش كريم له و لعائلته.
عدم وجود مقاعد كافية للتلاميذ، و جلوس الكثير منهم على الأرض!!
تأثير السياسة على العملية التربوية و البرامج و التعيينات، و تفريغُ بعض المدرّسين -الموالين للسلطة- أو تحويلهم للإدارة -مكافأةً لهم، و مُعاقبةُ بعض المعارضين بالتحويل الى مناطق نائية!!
ضعف محتويات المنهج الدراسي، و عدم استجابته لمتطلبات المرحلة.
غياب الاهتمام بالتربية الإسلامية و المدنية.
غياب التشجيع و الحوافز بالنسبة للتلاميذ و المدرّسين.
تراجع الدولة عن توفير الكتاب المدرسي حيث لاتوفرّه إلا بنسبة لا تتعدّى ٤٠٪!
التركيز على الكم (نسبة الدخول و الولوج) و تجاهل الكيف و التسرّب المدرسي (٤٠ ٪ من التلاميذ يُغادرون قبل إكمال الدراسة!) و ضعف نسبة النجاح و انعدام التفوّق.
المستقبل المُفزع:
إذا استمر واقع التعليم على ما هو عليه الآن أو ساء -لا سمح الله- فإن مستقبل الأجيال و الولاية و البلاد سيكون خطيرا و مُفزعا، و هو ما يتطلب منا الحديث عن من سينتشل التعليم في لعصابه.
مَن سينتشل التعليم في لعصابه؟
لا شك أن الواقع المُزري يَحثّ كل الغيورين على الولاية و الوطن على بذل المزيد من الجهود لتحسين واقع التعليم و النهوض به حتى يؤدّي المهمة المنوطة به، و في هذا الإطار فإن العائلة المدرسية مطالَبة ببذل ما بوسعها من أجل تحقيق ذلك، بل إنها مَدعوة إلى بذل المزيد حتى تستطيع التغلّب على المشاكل المُزمنة للتعليم.
و في هذا الإطار فإنه يمكن تقديم بعض المقترحات المأخوذة من بعض العاملين في الميدان و غيرهم من الباحثين المهتمّين بالموضوع، و من هذه المقترحات:
الاهتمام بالمدرّس و زيادة راتبه بنسبة ٢٠٠٪ حتى يتوفّر له مصدر دخل يجعله يتفرغ للتعليم ، مع بعض الحوافز و العلاوات الأخرى كعلاوة الطبشور و البُعد….
الاهتمام بالتلاميذ و تكريم المتفوقين منهم ماديا و معنويا، دون أن يكون ذلك على حساب “ذوي الاحتياجات الخاصة” و “غير المتميزين”!!
تعميم الكفالات ،و تنظيم المزيد من الرحلات المدرسية و المخيمات الصيفية و الأيام التربوية.
تعاون آباء التلاميذ مع الإدارات و المدرّسين من أجل مراقبة انضباط التلاميذ و تدرّجهم في التحصيل و الحفاظ على حضورهم للدروس و إنجازهم للواجبات المدرسية في الوقت المناسب.
الاهتمام بالبنية التحية و بناء المدارس على مقاييس عصرية تضمن السلامة و الراحة للتلاميذ و المدرّسين. الحفاظ على نزاهة الاختبارات و الامتحانات.
و لا شك أن هذه المقترحات يختلط فيها ما هو من اختصاص الدولة (وزارة التعليم و القطاعات الأخرى) و ما هو من اختصاص العائلات و المدرّسين و الموظفين المحليين، و مع ذلك فإن تعيين أحد أبناء الولاية و هو أستاذ الانگليزية : اباتنَ ولد عُروة مديرا جهويا للتعليم في لعصابة -منذ فبراير ٢٠١٧- مؤشر على اهتمام الدولة بذلك -خصوصا و أن الرجل محسوب -سياسيا- على جناح الجنرال/ قائد الأركان العامة للجيوش، و هو ما يمنحه القدرة على توصيل مطالب و احتياجات القطاع – و تجاوز البيروقراطية الإدارية- بشرط توفّر إرادة سياسية و ربما “عسكرية” صارمة لانتشال القطاع، لكن ذلك لا يعفي بقية الأطراف المعنية بالموضوع من واجباتها، فهل سيقوم كلّ طرف بواجباته؟ و هل سيكون لِساسَتِنا و وجهائنا دورٌ في المطالبة بإصلاح التعليم و المساهمة في إنقاذه؟! ذاك ما أرجوه و آمله.