قال الشاعر الموريتاني المشهور أدي ولد آدب في رد مزلزل على الناطق باسم الحكومة الموريتانية محمد الأمين ولد الشيخ إن مهمة الناطق باسم الحكومة هي تحريف الكلم عن مواضعه والرجم بالغيب والتنجيم عن النيات .
جاء ذلك في رد كتبه ولد آدب على التصريح الأخير لولد الشيخ هذا نصه :
وزراء حكومتنا الموريتانية.. لكم النقود.. فاتركوا لنا النقد والشعر والأدب
بالله ربكم.. لا تجمعوا لنا بين “المُرَّيْنِ”، فقد جرَّعتمونا “صابا” في مجال الفعل والخطاب السياسي، فلا تجرِّعُونا “مُرًّا” في الخطاب النقدي، ف “الصابُ” و “المُرُّ” لا ضرورة -أصلا- للجمع بينهما، لأن أحدهما يغني عن الآخر، “وحسْبك من أمْرَيْن أحلاهما مُرُّ”، فما بالك بمترادفين هما المرارة عينها!
لن أناقشكم في النقد، والحكم على النصوص الشعرية عموما، وتحليلها ، والمقارنة بينها، لأن ذلك ليس من اختصاصكم، والعلوم الإنسانية كلها- في نظر حكومتكم الخارقة- سخافات حكمتم على المختصين فيها ،من مواطنيكم- باستثناء “التابعين غيْر ألِي الإِرْبَةِ” السياسية المُخالفة- بالإبادة الجماعية، منذ أعلنت قلة الأدب حربها على الأدب.
كما أني لن أناقشكم في حكمكم النقدي علي شخصيا، لأني منذ تلمسي لخطواتي الأولى في كتابة الشعر -قبل 35سنة-لم أعرض تجاربي، على أي شاعر هناك، ولا ناقد، ولا عالم… إلا العلامة الشيخ محمد سالم بن عدود رحمات الله عليه، فكيف بي اليوم وقد جاوزت حد الخمسين!
السيد وزير الثقافة المحترم.. أشكركم على رفعكم لي مكانا عليا- فوق ما أستحقه- بين الشعراء “الحاسدين” لأقرانهم، المغاضبين، أسفا على حرمانهم من المشاركة في “لجنة النشيد الوطني”، التي كانوا يشرئبون لعضويتها، حسب خطابكم مؤخرا أمام البرلمان، رغم أنكم أهْوَيْتُم بمستوي نشيدي المقترح…في مُنْحدَر سحيق عن “نشيد الجماعة”، لا كانت “قِرْنَ واحِد”، وليس لي الحق في الرد على أي رأي انطباعي غير مؤسس نقديا.
لكن ما وجدت نفسي مضطرا للرد عليه، هو أني – لله الحمد- لا مكان في قلبي للحسد، لاسيما بالنسبة للشعراء المبدعين، الذين اعترفت بمكانتهم العالية، وبأن كل واحد منهم قادر-بمفرده- على كتابة نشيد أفضل مما لفَّقت “الجماعة”، مع أني تفاجأت من تصريحكم بأن كل المشاركين، لم يوفق أي واحد منهم في كتابة نشيد على المستوى المرغوب، وقد أكدت-أيضا- أن “نشيد الجماعة” ليس أسوأ أناشيد الدول العربية، ولكنه دون ما تستحقه موريتانيا فقط، وما ينتظر من “بلاد المليون شاعر”، المؤسطرة في الذاكرة الجماعية.
وعلى كل حال، مَذهبي أن الحسد، اعتراض- بلا جدوى- على قسمة الله لمواهبه، كما أني شخصيا أرفض عموما، وفي شعري خصوصا، أن أكون صدى لأي صوت مهما كان جماله، ففطرة الله التي خصت كُلًّا مِنَّا ببصماته المائزة، تقتضي أن لا يكون أي شخص غير نفسه؛ فينبغي أنْ تكونَ حياةُ الإنسان عموما، والمبدع خصوصا، رحلةً مستمرةً للبحْث عن خصوصيته الذاتية، وفرادته الفنية، بهذا آمنتُ، وبه كنتُ أنصحُ غيري من الشعراء : احرص على أنْ تكونَ أنتَ أنتَ فقط، وقد أفردت أحد دواويني بعنوان “بصمة”، جاء في فاتحته:
أنَا.. لَسْـــتُ أقْـــبَلُ.. أنْ أكُـــــونَ سِـــــــوَايَا
مَـهْــمَا “أنَـــاهُ”.. عَـــلَتْ.. “أنَـايَ”.. “أنَـايا”!
لُغَتِي.. وصَوْتِي.. لِي.. وحِبْرِي.. بَصْمَتِي
نَظَـرِي.. أحَــاسِيــسِي.. هَـــــــوَايَ.. رُؤَايَا!
نَبْضِي.. وأنْـفَــاسِـي.. وخَـطْـوِي.. لِي.. أنَا
أيَكُـــونُ إيقَاعِـــي.. صَــــدًى.. لِـسِــــــوَايَا؟!
أنَا.. لنْ أسَاوِمَ.. فِي صَمِـيـمِ هُـــوِيَّـــــــتي
مَهْـمَا تَـنَـاسَـخَـت الــــذَّوَاتِ.. مَــــــــــرَايَا!
فاتْرُكْ صَـــدَى غَـيْرِي.. إذَا أصْغَيْتَ.. لِي
واسْمَعْ.. صَدَى رُوحِـي.. بِـحَـرْفِــي.. نَايَا!
عَــنِّي.. أفَـتِّـشُ.. فِيَّ.. وُسْعَ عَـــــــوَالِمِي
مَا اسْتَـــوْحَشَتْ بِكْرَ الــدُّرُوبِ خُـــــطَايَا!
فانْظُرْ.. إلَيَّ.. بِــأيِّ عَـيْـنٍ.. شِــــــئْــتَـهَا
أنَا.. هَــكَــذا.. قدْ شَــــاءَنِي.. مَــــــوْلايَا!
أما عن تهمة المُغاضَبة لعدم إشراكي في عضوية لجنة النشيد تلك، فقد كانت خلاصة أول تدوينة لي حول الموضوع، بعد إلحاح السائلين عن رأيي، هي:
“أني لن أعلق على اللجنة نفسها، أما عن عدم وجودي- شخصيا- ضمنها، فأنا سعيد به، وهو الطبيعي بالنسبة لي، ونقيضه هو الغريب العجيب…لأني أقف حيث يجب أن أقف.. ثم أتقبل تبعات موقفي المبدئي برضى وانسجام روحي مطلق مهما كان. لقد قررت- بإملاء من سلطان منظومة الأخلاق التي أومن بها- أن أنتبذ مكانا قصيا، عن مستنقعات كل الأحكام المتعاقبة على بلدي.. في انتظار أن يأتي الحكم الذي أجد فيه نفسي، ولا أجد غضاضة في التعامل معه.. وظني أنه لن يأتي.. في القريب المنظورعلى الأقل…”
وبخصوص قولك إن نشيدي قدم ليعتمد بديلا “لنشيد الجماعة”- لا كانت “قِرْنَ واحد”، فهذا -أيضا- ما مهَّدتُ به -حرفيا- لذلك المقترح، معتبرا إياه مجرد:
“مسودة نشيد افتراضي.. لجمهوريتنا الفاضلة.. في الخيال، بعيدا عن التنزيل على الواقع المستحيل، وبعيدا عن معارضة الشيخ سيدي باب، ذات العواقب الوخيمة، وهو مجرد تدليل على أن في الإمكان أبدع مما كان، على الرغم من تواضع مستوى المحاولة هذه”
ختاما.. أنا أعرف أنكم- أيها الوزير المحترم- قد قرأتم هذا كله، أو استنسخ لكم، من صفحتي على الفيسبوك، أو صفحات غيري ممن شاركوه، حيث ما يزال مدونا هنا، وهناك، وأعرف أن منشأكم في البيئة الحاضنة للغة العربية، المتمرسة بآدابها رواية ودراية، إضافة إلى كسبكم المعرفي الشخصي، كلاهما يجعلانكم- بلا شك- تدركون بدقة ما عنيته بـ “”المسودة”، وصفة “الافتراضي”.. و”الجمهورية الفاضلة”، المستهدفة ، وكونها معلقة “في الخيال، بعيدا عن التنزيل على الواقع المستحيل”، فهذا كله يؤكد أن هذه المسودة، لم تقدم لتعتمدها جمهوريتنا غير الفاضلة حاليا، بديلا عن “نشيد الجماعة”، ولم ألتمس منكم ذلك أبدا..
لكني أعرف أن منبر الناطق باسم الحكومة، مُرْتقًى صعْب، لا سيما في الدول الناقصة الديمقراطية، التي يكون الوزراء فيها رهناء، أكثر مما هم طلقاء، وتكون أولى مهمات الناطق الرسمي باسم الحكومة فيها، هي ” تحريف الكلم عن مواضعه”، والتنجيم عن النيات، رجما بالغيب… وإلا……. لذلك أسامحكم.
أعانكم الله،