انتهت عملية الاقتراع حول التعديلات الدستورية المثيرة للجدل، وبغض النظر عن ما حدث خلال هذه العملية، التي سيتحدث عنها التاريخ لاحقا، وبشكل مكثف، إلا أنها أفضت إلى منعطف جديد، أكثر خطورة وحساسية على بقاء البلد، مما سبق كله، على تصور البعض.
فالوطن إما أن يؤول إلى صيغة توافقية تشاركية، وإما أن يشتعل لا قدر الله، فلا تهدأ فتنة ناره بسهولة.
وبتوضيح نسبي أكثر، الطرف المتغلب محسوب على المؤسسة العسكرية، التي لم تصل بعد إلى الطابع الجمهوري الدستوري النموذجي، وهي قادرة رغم كل ما يقال عنها، أي هذه المؤسسة العسكرية ،ورغم كل ما هو محتمل من صدامات محدودة أو غير محدودة.
أجل قادرة على فرض الاستقرار وكسب رهان الأمن بإذن الله، ولو نسبيا، لكن هذا النظام الضعيف المترهل في الوقت الراهن، إن لم يجدد دماءه ويشرك طرفا معتبرا من المعارضة الراديكالية، سيذهب في خبر كان، مثل سائر أحكام الدنيا التي أفلت وسائر الأنظمة المتعاقبة التي حكمت البلد، وأما المعارضة الراديكالية، التي تسعى لتكون بديلا للجزء الأغلب من السلطة، فإنها على الأقل في الوقت الراهن غير مأمونة على ذلك، بحكم الاختراق وعدم ذعون المؤسسة العسكرية لحكمها المحتمل، أي المعارضة الراديكالية.
لأن هذه المؤسسة العسكرية، مازالت دون مستوى الطابع الجمهوري الدستوري، وقد لا تقبل، أي المؤسسة العسكرية الانحياز إلا لأحد عناصرها من الصف الأول، ومن وجه آخر المعارضة الراديكالية لكثرة نزاعاتها، عندما تستلم الحكم، سيذهب استقرار البلد ووجوده ربما في خبر كان، على احتمال على الأقل، وإن لم يكن ذلك مطلقا، فلكل قاعدة شذوذ.
فقد سلمت على سبيل المثال تونس من ذلك، لكن استشرى فيها وتخمر تيار إرهابي لم تستطع الحكومة وجيشها الضعيف التكوين أصلا، أن تنقص من غلوائه، أي هذا المنحى الإرهابي المشار إليه، وقد تمادى نسبيا باسم شعارات “إسلامية سلفية”.
عندما يحكم المعارضون الراديكاليون في موريتانيا، لن يتمكنوا من التوافق بسهولة فيما بينهم ، وستؤثر عليهم حتما نزاعاتهم وأطماعهم.
حزب التكتل والحلم القديم الجديد لعودة الحكم لاترارزة ولأسرة بالذات، وتواصل، الحزب المتهم لدى البعض، بأنه رغم كل الإيجابيات الفكرية والتنظيمية وتماسك صفه نسبيا، بالمقارنة مع التجارب الحزبية الأخرى.
أجل متهم لدى البعض بأنه حزب تكتل بواجهة إسلامية، تخفي الجهوية المحضة والأطماع المختلفة العادية وغير العادية.
حزب ولد سيدي باب، الذي أورثه لابن أخته، ، هذا الحزب عاجز عن التناوب منذ نشأته ،وهو أول حزب يعترف به رسميا في موريتانيا بعد التعددية مع مطلع التسعينات، رغم القامة الأخلاقية والفكرية والزعامة التقليدية لرئيسه المؤسس، أحمد ولد سيد باب، ورغم جرأة محمد ولد اعبيدن ومبدئيته أحيانا، ابن الأخت الخلف.
حزب جناح ضعيف من “أولاد الناصر وكنت” لزعيمه المؤسس العسكري السابق، الناصري بنكهة إسلامية مبدئية مثيرة للإعجاب لدى البعض، طبعا أعني حزب “حاتم”، وحزب “إيناد”، لرئيسه عبد القدوس ولد اعبيدن، حزب شركات وأسرة اسماعيل ولد اعبيدن ، والدهم رحمه الله ،بوجه خاص أولاده لأمهم المغربية، عدا عن ولديه محمد ولد اعبيدن وأخته المرحومة مريم بنت اسماعيل ولد اعبيدن.
كل هذه الأحزاب بهذا الطابع المتنوع، إيجابيا وسلبيا، لا تصلح ولا تقدر على فرض الاستقرار ولا التوافق، إن لم تغير من نمطها المكشوف المذكور سابقا، وهو مزمن متخمر، لابد له من المزيد من الوقت للعلاج.
إن هذا كله يعني حاجتنا لمرحلة انتقالية جديدة تشاركية، لا تقبل المأمورية الثالثة، ولا تمنع الحكام الحاليين أو غيرهم من المحسوبين على المؤسسة العسكرية من الإسهام لاستتباب الأمن والعبور بالبلد، ولو تدريجيا إلى شاطئ الأمان، ولو تطلب ذلك عقدا آخر من الزمن على الأقل، وأعني ما أقول، بعيدا عن العاطفة أو الارتهان أو المجاملة، فما ترك لي الحق من صاحب، وهو طابعي وطبعي بإذن الله، ولا أزكي نفسي ،ولكن السياق التحريري بهذه الحقائق المثيرة أو على الأصح التصورات يفرض التذكير بذلك الطابع الشخصي، الذي يعرفه من يعرفني، وأنا متمسك به مهما كلفني، والحق أحق أن يتبع، ولا مجاملة فيه مطلقا البتة.
لأن ذلك الوقت في نظري أقل ما يكفي للتخفيف من الطابع السطحي لأحزابنا جميعا ، موالاة ومعارضة، مهما رفعت من شعارات استهلاكية، باتت مكشوفة، لدى جميع المهتمين داخليا بوجه خاص ،بالشأن الحزبي على وجه الخصوص.
أما المواجهة العبثية بعد تمرير التعديلات الدستورية بأسلوب لا يخلو من حق الجدل المشروع، أقول المواجهة من طرف هذه المعارضة الراديكالية، وعدم حذر وتحفظ الجيش من القمع، ولو لمرة واحدة قادمة، بمستوى حاد، فإن ذلك يعني دخول البلد، ربما لا قدر الله ،في معترك فتنة ونفق مظلم ، قد لا تخرج منه دولتنا الهشة بسهولة، للأسف البالغ.
اللهم احفظ وسلم.
إننا بحاجة ملحة لتصفية القلوب والدعاء والتأمل العريض المنصف التشاركي، الخالي من الحقد والأحادية والاستبداد والتحامل المفتوح.
وإننا بحاجة أيضا لحوار جديد حقيقي، ولا مخرج إلا بالتنازلات المؤلمة المتبادلة.
لكن فلتعلم المعارضة وفي الوقت الراهن بالذات، أنها غير قادرة على الحكم وحدها، من دون قوة الجيش لفرض الاستقرار والتعايش السلمي بين مختلف المكونات العرقية والشرائحية والجهوية والمصالحية والمعارضة والموالية.
وليعلم الممسكون بتلابيب الحكم، أنها لو دامت لغيرك ما وصلت إليك، وأن الموالين والمعارضين من مختلف المشارب ، ينبغي أن لا يكون النفاق والتصفيق المقرف، شرطا عليهم أساسيا للعب دور ما ، في هذا الوطن، الذي هو للجميع الحق في ظله وفيئه ومائه وجوه وسمائه وأرضه.
ولأنني لا أحتمل الخداع، وما أكثره في كلا الضفتين، لكن ما يصنع منه ولد غده السيناتور، شفاه الله وهداه، مكشوف.
فهو الذراع الأيمن لولد بوعماتو، والمعارضة الراديكالية، ليس منها بصورة خالصة، وإنما على وجه الركوب والاستغلال ، وبعضهم يعي ذلك ويكتمه عن قصد، للوصول إلى مغانم ومآرب أخرى.
نعم يركب موجة المعارضة الراديكالية لإنفاذ خطة بوعماتو، للرجوع لساحة النفوذ، ولعل تسريب كلام المعارض الصارم الوزير والوالي السابق محمد ولد اخليل، من طرف ولد غده، خير دليل على أنه يعمل أساسا لصالح مخططه الخاص، المرتهن لدى الممول المعروف، الملياردير محمد ولد بوعماتو المقيم في مراكش بالمغرب.
وأنصح المعارضة بصراحة، ولد غده مشؤوم، بسبب صلته الوثيقة بالظالم عدو الحرية الأول، محمد ولد بوعماتو، وهو يعمل لأجندة خاصة، تخدمه وتخدم بالدرجة الأولى سيده محمد ولد بوعماتو، المتفرغ في المغرب للمؤامرات المتنوعة ومستوى مقرف من النزوات والمغامرات العاطفية داخل المغرب وخارجه.
قبل أشهر قليلة أستأجر طائرة خاصة لإحدى الحسنوات الفاتنات الصحراويات، وعندما رجعت بعد متعة حرام معه، صرحت أنه أعطاها 10 آلاف أورو، أي ما يعادل أربعة ملايين أوقية، سعر ليلة واحدة حمراء، من ليالي بوعماتو ، والعياذ بالله تعالى.
اللهم انتقم، اللهم إني أشهدك أنني لم يذهب ما بقلبي من ألم بعد ظلمه لي، فأرحنى في الدنيا بالإنتقام منه، بما شئت وكيف شئت، إنك على ما تشاء قدير، وأحفظني من كيده وكيد سائر الأعداء.
وأقول باختصار ولوجه الله وحرصا على سلامة السفينة الوطنية، بغض النظر عن من يحكمها مواليا أو معارضا، إن الاستقرار والعافية ولو مع بعض المظالم، التي لا تصل إلى الكفر البواح وترك الصلاة.
في مثل هذه الحالة على نسق فتوى بعض الفقهاء وجهابذة علماء السنة ،الاستقرار أولى من الديمقراطية والتحسينات الضرورية لخدمة الأمة بإذن الله.
ومعارضتنا الراهنة بعد الشرح السابق ، بحاجة لحافظة على غرار المولود الخداج، لكمال النمو وتجاوز ظاهرة شخصنة الأحزاب، وربما الصيغة الأفضل، التنازل من الطرفين للتوصل إلى صيغة حكم مؤقت، يقبل نفوذ الجيش في حدود القانون والطابع الدستوري ولو كان ناقصا حاليا، وذلك لتأمين الاستقرار والعبور الآمن، الصعب في دول إفريقيا والوطن العربي والعالم الثالث عموما، والسعيد من اتعظ بغيره ، كما يقال.
فلا حكم ولا استقرار، من دون الحوار والتنازل المتبادل، ولا قدرة للمدنيين المعارضين الحاليين، على فرض الاستقرار وبقاء الدولة الهشة أصلا، من دون إشراك مؤقت للجيش في لعبة الحكم، تمهيدا وانتظارا مؤقتا أيضا، لتربية المؤسسة العسكرية الانقلابية، للقبول لاحقا بالطابع الجمهوري وهو المآل الآمن بإذن الله.
اللهم أحفظ موريتانيا والأمة المسلمة كلها من سائر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم سلم….سلم.
ولله الأمر من قبل ومن بعد
وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه.
رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.